Tuesday, November 28, 2006

هدر الشرط الإنسانى فى رواية تماثيل الملح

هدر الشرط الإنسانى فى رواية تماثيل الملح
الكاتب: د/ محسن خضر
للمفكر الفرنسى روجيه جارودى كتاب عميق العنوان "أهمية أن يكون الإنسان إنسانًا" ويبدو أن الرواية الأولى للكاتب الواعد محمد كمال حسن تجدد دلالة العنوان السابق، وتطرح التفكير فى انتقاص الشروط المؤسسة للوجود الإنسانى فى مجتمعنا مجددًا.يحيل العنوان "تماثيل الملح" إلى توظيف القص الشعبى حول أسطورة الشر الإنسانى. الرواية فى مستواها المحورى تطرح سؤال الشر، من خلال نبل أحمد سالم ورداءة نسيج أخيه جمال، والذى يستولى على أراضى أخوته لا يروعه إلا قوة شخصية الأخ الجامعى الوحيد – بطل النص – والذى يأتى فى كل مرة من القاهرة حيث يدرس أو يسجن أو يقيم بعد زواجه ليردعه عن غيه، وكذلك الأخ الأكبر جابر الذى يزل وينضم إلى حياة المطاريد ولكن موت أخيه أحمد سالم يأتى كالزلزال ليعود إلى أهله لاحقًا بالجنازة بعد أربعين عامًا، ولكن موت الأخ الوحيد الذى آمن بخيريته يزلزله، وإن بقى المعمار الروائى يعانى من ضعف العمل الأول، كما يستفيد من جيشان عاطفته، حيث تقدم الرواية أسرة أحمد سالم فى الثلث الأخير فجأة، فايزة، جمال، جابر، عبد الله. لابد أن يمهد لهم فى بقية الرواية.تتحول القاهرة فى "تماثيل الملح" إلى نداهة جديدة تبتلع الغرباء، تكون جنازة أحمد سالم والذى يموت بمعهد ناصر فى القاهرة، ويدفن فى مسقط رأسه بالمنيا هى بؤرة الرواية، ومرآتها اللامة، وبينما يصيغ شخصية الأخ المجرم جابر بتوازن مدهش يأتلف منه الشر والحب والتمرد والنوم بحيث يأتى انهياره فى جنازة أخيه ليرد إليه إنسانيته الممتدة وراء شره. ثمة مكون فلسفى واحد نجده فى الثقافات المشرقية، وحيث يتصارع النور والظلام، والخير والشر، سواء فى أسطورة إيزيس وأوزوريس المصرية أو فى أسطورة عشتار البابلية أو فى الفيدا عند الهنود، إن الأخ السلبى عبد الله ينزع صور أخوته من فوق الجدار (تماثيل الملح) أو الأشرار، ليترك صورة أخيه أحمد سالم الذى يشبهه (التوائم)، ولذا ينقسم العالم إلى مستويين: تماثيل الملح أو التوائم، موازيًا للقسمة الثنائية بين الخير والشر، ولكنه فى النهاية ينزل صورته تاركًا صورة الأخ الراحل وحدها ليضم نفسه إلى فريق تماثيل الملح اعترافًا بسلبيته هو أيضًا وضعفه أمام جبروت أخيه جمال مغتصب حقه. يضع النص بطله أحمد سالم فى غمرة تحولات حادة دون أن يمهد لها، فبلا مقدمات يتحول الشاب الصعيدى العاشق إلى ناشط سياسى، ويقبض عليه مشتبهًا ضمن تنظيمات العنف فى الثمانينات، ودون أن يسبقها تمهيد فكرى يمنطق هذا التحول.. يناقش النص تيمات فرعية: مصائر الحب، والاغتراب عن مصر وحيث يرفض أحمد سالم السفر إلى الخليج مفضلاً البقاء معتسرًا فى القاهرة. جماليات البناء الروائى فى مشهد الدفن، وحيث ينتاب المشيعين شئ أشبه بالسحر وحيث يطير جلباب كل من يحمل نعش البطل، وتظهر عورته أمام الاخرين، وتنفجر الثنائية عبر إنتاج الدلالة بين خيرية الميت وشرية المشيعين، والذين يلوذون بالفرار عندما ينفتح القبر وحده وكل القبور المجاورة فيركضون ويتركون النعش، والذى ظل معلقًا فى الهواء، وأسفله وقف فريق الخير: الأخ عبد الله والابن سالم وطفل صغير يحبو يشير يومئ إلى الجيل الرابع ويقول طفل الأربعة شهور ومشيرًا إلى النعش: إنه جدى أحمد سالم. وتنتهى الرواية بتفجر الضحك فى سرادق عزاء أحمد سالم عندما يدخل طفل فى الثانية من العمر معزيًا فى وفاة العم أحمد سالم، وفى مشهد غرائبى ينهى هذا النص الجميل القصير والذى يجدد الأمل فى خصوبة الكتابة فى مصر، وتلاقح أجيالها وحيث يقع عمر المؤلف محمد كمال حسن فى منتصف العقد الثالث.
صدرت الرواية فى سلسلة الكتاب الأول عن المجلس الأعلى للثقافة
الأهرام – ص 25 – الخميس 20 أبريل 2006
تعليق
اتصل بى الأستاذ الدكتور/ سامى سليمان يوم الخميس الذى نشرت فيه هذه المقالة التى أعتز بها كثيرًا وظننه يعلمنى أنه وصل من اليابان ويكتفى بالاطمئنان على أخبارى ولكنى فوجئت به يبارك لى على المقالة التى نشرت عن روايتى " تماثيل الملح" فى جريدة الأهرم ففاجأته بأننى لا أعرف شيئًا عن المقالة ولم أقابل الدكتور/ محسن خضر الذى كتب فبارك لى دكتور / سامى لأن هناك من قرأ دون مقابلة من الكاتب ودون إهداء من الكاتب ودون رجاء من الكاتبأما أصدقائى فى كلية التربية جامعة عين شمس فلهم كل الحب وكل التقدير فهم الذين اقتنعوا بهذه الرواية وهو الذين قدموها لدكتور/ محسن كما قدموها إلى عدد غفير لم أكن أتوقعه من الجماهير الطلابية إلى الحد الذى دفع كثيرًا من الطلاب إلى التساؤل حول ( هذا الكتاب: رواية تماثيل الملح) وهل هو كتاب مقرر على إحدى الفرق الدراسية
شئ جميل أن يتكلم عنك أو عن عملك شخص ما لا تعرفه فى مكان لا تعرف فى زمان لا تعرفه
شئ أجمل أن يحبك شخص ما
فإلى هبة رفعت وفاطمة فكار ودعاء عبده ومحمد مصطفى وآخرين لا أعرفهم
ألف شكر
وأحبكم