Tuesday, November 11, 2008

على بابا والأربعين توك توك

على بابا والأربعين توك توك




أن تتخذ قرار بناء بيت لك كمثل أن تتخذ قرار الزواج. لا تستمع فيه إلى نصيحة من سبقوك ثم تندم حيث لا ينفع الندم، وعندما يسألك أحد عن أحوالك يجب أن تقول: -الحمد لله يا راجل.. كده الواحد أحسن كتير كما يجب أن تكون مبتسمًا لئلا يشمت بك أحد وإن كان أقرب الناس إليك. لم ألتفت إذن كثيرًا لمبررات الحسينى العائلية حول وجوب بناء بيت عائلى فى بنى سويف –مسقط رأسه- واكتفيت بأن أعمل ما يمليه علىّ ضميرى ودعوت له بالتوفيق.



2 ظهرًا – محافظة السادس من أكتوبر


اتصلت بالحسينى لأخبره أنى مسافر إلى زاوية المصلوب (قريتى بنى السويفية) لأزور عمى الذى عاد من السفر أمس. فقال الحسينى: -طيب ما تستنى نسافر سوا.. أنا مسافر عشان صبة السقف بكره

-أنا عندى مشوار فى الجيزه هعمله وأركب من المنيب..

-يناسبك نتقابل هناك الساعه 6؟

-خلاص 6 فى المنيب


6,00 – موقف السيارات بالمنيب


-أيوه يا بنى.. إنت فين؟

-إنت وصلت؟

-أيوه.. جاى ولا أسافر أنا؟

-أنا نزلت من دقيقتين..استنانى..أقل من نص ساعه إن شاءالله واكون عندك،ماشى؟

-هدور على قهوه أستناك عليها،بس قبل ما توصل بخمس دقايق كلمنى عشان اتحركلك.ماشى؟

أنهيت المكالمة ثم انتبهت إلى أن مكالمتنا كانت تنتهى كل جملة فيها بعلامة استفهام ولا توجد جملة واحدة تنتهى بنقطة. لم أفهم فى وقتها ما الذى يعنيه هذا. زاوية المصلوب على بعد ساعة واحدة فقط من المنيب إذ أنها تابعة لمركز الواسطى القريب. اسمه سفر على أية حال وأن أسافر مع الحسينى أحسن بالتأكيد من سفرى وحيدًا. لا بأس إذن من انتظاره.




6,05 – خلف السكة الحديد بالمنيب


لم يكن الزحام غريبًا علىّ إذ رأيته من قبل فى ترعة السواحل وناهيا وفيصل وشبرا وعزبة النخل ودار السلام. كل المناطق المزدحمة متشابهة كأنها مكان واحد. زحام وتلوث وضوضاء لصناعة مزيج رائع من بشر ليست لديه أى رغبة فى الحياة. صحيح أنى أعتدت كل هذا ولكن ليس معنى ذلك أن أجلس إلى مقهى عند الطريق الرئيسى. يبدو الجلوس حينئذ أشبه بانتحار. وصلت إلى مقهى فى أحد الشوارع الجانبية. مقهى عادية، جدرانها مبلطة بالقيشانى الأبيض وفواصله بالقيشانى الأسود. عرض الشارع لا يسمح بمقاعد خارجية. كان المكان واسعًا وشبه خال فقلت لنفسى:هنا كويس.
-شيشه يا غالى؟
-لا يا زعيم.. شاى تقيل زياده بالنعناع
تجولت ببصرى فوجدت لوحة كُتبت عليها تسعيرة المشروبات. ابتسمت عندما وجدت أن الشاى بثمانية قروش فقال القهوجى واضعًا الشاى على الطقطوقه:
-الحاج مش عايز يشيلها.. سايبها تذكار لأيام زمان لما كانت الناس كويسه.. أنا مشفتهاش، بس هو اللى بيقول
عندما أسمع أن أيام زمان أجمل والناس كانت ناس إلخ إلخ إلخ أتحسس مسدسى. أتذكر نجيب الريحانى فى فيلم غزل البنات فى الأربعينات عندما قال لليلى مراد إن الناس الحلوه كانت زمان.. لا بد أنه قصد أول القرن العشرين أو آخر التاسع عشر،ولابد أنه كان يسمع جده يقول نفس الكلام..أى ناس يقصدون؟


6,25 – فى المقهى أتذكر أيام زمان

بينما أنا غارق فى فطوطه وشريهان وبيبو حبيب قلبى ونواعم وشمعدان، توقفت أربعة تكاتك أمام المقهى. توقفت دون صخب لينزل من ثلاثة منها حوالى خمسة عشر شابًا بينما نزل من التوك توك الرابع توك توك منفصلاً عرفت فما بعد أن اسمه عم مجدى.



6,50 – أتفرج فى القهوه

-أيوه يا كمال.. معلش يا باشا.. قدامى ربع كده.. الطريق واقف
-يا بنى خدها جرى أنا كان زمانى فى العياط
-معلش يا ريس.. دقايق وابقى عندك ان شاء الله
كنت غير منتبه كثيرًا لتأخر الحسينى خمسين دقيقة عن موعده لأنى كنت أتابع القهوجى وصبى الشيش وهما فى حالة طوارىء؛ حيث لا بد لهم من الإسراع بتنزيل قص وحمّى وسلوم وشايات وحلبة وعناب.. كانوا قد احتلوا المكان تقريبًا لدرجة أنه لم يبق إلا مكانان أحتل أنا واحدًا والثانى لا يزال خاليًا. كانوا قد رفعوا الطقاطيق من بينهم ليفسحوا لمجلسهم مجالاً أكبر، ووضعوا المشروبات أسفل المقاعد، وصنع دخان الشيش إحساسًا مرعبًا بأن السرطان جالس فى المقعد المجاور.
كانت ملابسهم لا تختلف كثيرًا فهى لا تتجاوز بنطلونات جينز مرسوم على أفخاذها صور وتيشيرتات رخيصة. شعورهم كذلك غارقة فى الجيل وبعضهم حالق زيرو، وأعتقد أن أعمارهم كانت بين العشرين والثلاثين. افتتح التوك توك:
-هنقضيها صمت؟ خلاص يا حماده.. خُبُؤُه يرجعلك المصلحه وتبقى كده حطت نهايتها
انتصب شاب رفيع جدًا وقال:
-لا يا عم مجدى. هو أنا ....؟ ما أنا لو كنت عايز أرجع المصلحه ما كنت رجعتها.. أنا جاى هنا عشان خاطرك. هريسه لما قاللى إن عم مجدى جاى جيت
-أمال عايز إيه؟
-طالما دخلت فيها يا عمنا يبقى السلاح ييجى
انتصب شاب آخر مرسوم على تيشيرته جيفارا وقال مشوحًا بيديه:
-أسلحة إيه؟ مفيش أسلحه هتييجى
قال واحد آخر:
-بص يا معلم.. طالما دخلت عم مجدى يبقى ماتهسش وتسمع لآخر الحوار
نطق مجدى بهدوء:
-اعدل بقك يا هريسه لاعدلهولك.. مكنتش عايزنى أدخل؟
-لا يا ريس مش القصد.. بس طالما حضر كبير يبقى ميصحش احنا نتكلم ولا انا بتكلم غلط؟
استكنيص مجدى من رد هريسه فقال لخبؤه:
-متهسش يا خبؤه
هريسه قال:
-ينفع يا ريس بعد ما حماده تعب وخد العده من الزبون يترصده خبؤه على ناصية شارعه؟ ويثبته بسلاح كمان؟
تدخل آخر:
-على فكره بقى ياعم مجدى.. حماده اداله العده مش خوف بس عشان ميعملش حوار مع ناصر، بس ده حوار قديم مش هنلوكه دلوقت
تضايق مجدى:
-وله انت وهوه انزلوا من على ودانى.. حماده.. العده ترجع وتبقوا حبايب
-لا يا عم مجدى أنا كده متأذى
تدخل هريسه:
-احنا بنتكلم فى الأصول.. لما سلاح يترفع يبقى الحاجه تيجى والسلاح ييجى
-ياد انت صح.. بس بقولك عشان خاطرى انا.. ناصر لو عرف ان سلاح خبؤه اتاخد منه هتدخلونى أنا فى حوارات معاه.. لسه أنا وهوه متراضين من يومين
-يبقى طالما عامل دكر بقى يستحمل
صرخ خبؤه:
-شفت يا عم مجدى؟ أنا ساكت عشان خاطرك
أخرج مجدى من جيبه جهاز محمول نوكيا بكاميرتين، وأعطاه لحماده:
-العده أهه يا حماده وكبر أخوك الكبير

7.15 –لسه فى القهوة والعده فى إيد مجدى وحماده مش عايز يمد إيده

-السلاح ييجى
-مفيش أسلحه
-السلاح ييجى
-مفيش أسلحه
-السلاح ييجى
-مفيش أسلحه
-السلاح....



7,40 – لسه متثبت فى القهوه

-يا عم مجدى إنت جاى عليا وخبؤه فتح عليا السلاح
انتفض مجدى كمن لدغه عقرب ونظر لحماده:
-جرحك؟
-لا يا ريس هيا خابت؟ عليا الحرام من دينى كنت دبحت نفسى عليه
أمسك به مجدى يقلبه ذات اليمين وذات الشمال ليتأكد من خلوه من الجروح، ثم سأل خبؤه:
-ورينى دراعك
-خلاص بقى يا ريس هاديله العده وكده تبقى قُضيت
-ورينى يا ابن الـ.....
قلبه مجدى فوجد جرحًا فقال هريسه بسرعه:
-ده جرح قديم بتاع توفيق ف خناقة البت مروه
تكهرب الجو فجأة. قام خبؤه واضعًا سلاحه فى يده فقام هريسه وحماده بينما وقف مجدى وصوته أعلى مما تخيلت:
-اقعد يا ابن .... ويا بن .... و.... و.... و....
جلسوا فقال لخبؤه:
-السلاح ما اتظفرش ليه يا بن ....؟
وقع خبؤه بين المطرقة والسندان.. عرف أن لا مفر ففتح قرن الغزال وجرح بها ذراعه جرحًا معقولاً، ثم قفل القرن، ثم تناول العده/ المحمول من يد مجدى وتقدم خطوتين لحماده، وقال:
-خد يا زميلى حاجتك والسلاح.. وحقك علىّ
تسلم حماده العده والسلاح، ثم نظر لمجدى. وضع العده فى جيبه ثم قال بمنتهى التأثر:
-وميهونش عليا يا شقيق العيش والملح
ثم أخرج مطواته بسرعه وجرح بها ذراعه جرحًا معقولاً فاحتتضنه خبؤه.
أعاد حماده مطواة خبؤه له، وقال عاوجًا رقبته مع كل حرف ينطقه:
-خد سلاحك.. أنا برضك ميرضينيش تنزل منطقتك من غيره
ثم جلسوا أصدقاء حميميين، يتناجون فى كيف ثبت حماده شابًا كان يسير فى الشارع وأخذ منه محموله، وخبؤه يعتذر على قلة الأصل إلى أن رن محمولى. التفتوا إلىّ واكتشفوا أنهم رأونى لأول مرة. صرخ بى التوك توك:
-انت بتعمل ايه هنا؟
ابتسمت بدماثة وقلت:
-مستنى مصطفى الحسينى