1 9 3 0
طبعًا القهوة ليس لها اسم.. أنا والحسينى أطلقنا عليها هذا الاسم. عثرنا على القهوة صدفة فى ميدان الجيزة –خلف مستشفى الرمد- طبعًا الضوضاء والتلوث والزحمة لا تطاق فى الجيزة ولا فى أى مكان الصراحة. المهم يا معلم.. تدخل من كل ده تلاقى شارع مرشوش وهدوووووء وإذاعة الأغانى ومكان على الرصيف التانى متعرش وناس كبيرة فى السن وقليلين والبيوت تحس إنها هتقع عليك ومحل حلاقة جمب القهوة ما يعلم بيه إلا ربنا.. الدش شغال ومحدش بيتفرج عليه، لدرجة إن مباريات كأس العالم المشفرة كانت الناس بتدبح بعض على كرسى فاضى ف القهاوى التانية والقهوة دى بتلعب طاولة وحوالى أربعة بيتفرجوا ولا كأنه نهائى كاس عالم
أول حاجة تعملها وانت داخل إنك بتنفض التراب اللى على كتفك.. إحساس حقيقى إنك رجعت لعهد الملك اللى بيقولوا عليه
الحاجة الوحيدة اللى بتحسسك إنك منتمى للعصر ده هو عم أحمد صاحب القهوة
.. فجأة سب دين وميتين وملل ونحل وعصر الطوائف ينهال من أحمد على الصبى الذى ينزل الشيش للزبائن.. لدرجة إننا قلنا إن أحمد سيقتل الصبى. وأخذ أحمد يكيل هذا السباب المتنقى للصبى ولأمه دون رد. ما الذى يدفع هذا الشاب ليتحمل كل هذا إلا إذا كان حمد ماسك عليه ذلة. لو كنت مكان الصبى لكسرت على دماغه الشيشة. إحساس بالرعب انتابنى والحسينى. قلنا: أكيد الليلة هتنتهى بجريمة. الغريب إن أحمد كان يسبه والمسافة بينهما أقل من ثلاثين سنتيمتر والصبى كان بالشكل الآتى: شكل اللمبى والمذيعة بتسأله عن السبب اللى خلاه بقى مجرم. والله العظيم بالمللى.. نظرة عينه وحركة دماغه ورد فعله البطئ.. كله كله.. وبمجرد أن توجه أحمد للنصبة ليستغفر ربنا ويهدأ من الواد بن ديـ.. وبن ميتـ.. وبن القحـ.. قال الواد للحسينى بمنتهى الدهشة: هوه حد كلمه ده. وعاد يقلب الفحم فى الراكية كأن لم يكن طالع ديكه منذ لحظات
.. .. .. الصراحة محدش على القهوة ألقى بالاً للحيثيات التى دفعت أحمد لأن يسلك هذا المسلك مع الصبى حامل الشيش. فجأة ويك ويك ويك ويا ولود الكذا كذا وبعد ذلك يقف أحمد مشعلاً سيجارة كليوباترا ويستند بعنفوان متداعى إلى النصبة.. بعد ذلك نظرت إليه فقال الصبى بابتسامة وهز رأسه بإشفاق وتفهم كبيرين: هوه كده على طول. الحسينى اتكوم وهستيريا ضحك انتابتنى وسألت الجالس إلى جوارنا: هوه ليه محدش اتحرك يا حاج ولا حد قام يحوش، ده أحمد كان هيقتل الواد. الرجل أخذ يكيل الشتائم للصبى. وقال: ده واد –يقصد الصبى- ابن .... مطلع عين أبوه. أبوه؟؟ أيوه أبوه ما هو أحمد يبقى أبو الواد ده. ياعينى مطلع عنين أبوه، أصله كان بيتعالج فى مصحة من الإدمان.. سمعنا من جديد سب ديك وفراخ وزجاج يتكسر.. نفخ الرجل دخان الشيشة وهز رأسه فى أسف حقيقى قائلاً: لا حول ولا قوة إلا بالله.. الواد ابن الـ... هيخلص على أبوه. بعد ذلك كلما أتينا إلى قهوة 1930 لم نعد نندهش حين يقترب أحمد بوجهه من وجه اللمبى متخفيًا فى صورة ابنه ويشتم بقوة.. بعد أن يهدأ نطلب حلبة وشاى فيأتينا بعدها بالطلب فى ثوانى ومبتسمًا ونرى من قريب ابنه يقلب الفحم مغمغمًا: هو حد كلمه ده.
آخر مرة قعدت فى قهوة 1930 كان بعد العصر من حوالى شهر.. طلبت شاى بالنعناع وكالعادة: مفيش نعناع يا بيه والله. طلبت حلبة. ظهر أحمد من الفراغ وبدأ فى وصلته. هذا البوست لا يكتمل إلا إذا جلستم على القهوة لتروا بأنفسكم أحمد وابنه. شعور حقيقى إن حالة قتل مريعة ستحدث الآن أمام عينيك. وبالطبع القتل لا يحدث. بعد أيام سأحدث هذا البوست إن شاء الله مضيفًا صور القهوة وصاحبها وابنه. وأرجو أن تكون الظروف سعيدة وأقدر أسجل فيديو للصبى وهو يقلب الفحم أو يتحدث مع الزبائن