فاكتفيت بـحبى للأشياء
ولذا لم أتفاجأ بتحقيق الكتاب لهذه المبيعات الكبيرة على العكس أراها مخيبة لبعض آمالى.
يعرف أصدقائى أن طموحى لا يقف عند حد وأننى مُصاب بالتفاؤل الخطِر.. كما أننى علقت
لها منذ أيام أننى مستغرب من تأخر الترجمة إلى وقتنا هذا، على العموم كل يأتى فى موعده
قابلت لأول مرة قبل صدور الكتاب لأحصل منها على أول لقاء مصور بحيث تكون لى
الأسبقية بتقديمها لعالم كنت أطمع فيه قبل أن تستحوذ عليه الشروق. وعندما رفض جهازى
العزيز استقبال تحميل الفيديو لم أكن الأول فتأخرت لوقتنا هذا. الشئ الذى لم أتأخر فيه هو
سعيى الحثيث لإعادة قراءة الكتاب ثم متابعة ما يُكتب عنه باستمرار. قلت لها مرة إنى أدخل
لمدونتها أكثر مما تفعل هى
عندما طرقت خطواتنا شوارع وسط البلد منذ شهرين تقريبًا تحدثنا عن التناول الإعلامى
الذى أراه سطحيًا –حتى الآن- لكتابها حيث التف معدون ومقدمو البرامج وصحفيون حول
الكتكوت الذى يرقص. لم يتحدث أحد عن كلمة مما فى داخل الكتاب. فى مناقشات الكتاب فى
مكتاب المنصورة والشروق، وفى برامج دريم والبيت بيتك والإيه آر تى وغيرها لم يسألها
أحد عن اللصوص والكذابين والقوادين والشكاكين وغيرهم ممن اكتلأت بهم صفحات
الكتاب. لم يسألها أحد عن رغبتها فى استخدام حقها الطبيعى أن تتزوج كما تريد لا كما يريد
المجتمع. توقفوا عند العنوان "عايزه أتجوز" وبالتالى فهيا بنا نتفرج على تلك البنت.
تقول غادة
أسئتهم محفوظة: ألم تخشى المجتمع وأنتِ كبنت تجاهرين بالزواج؟ ما موقف العائلة من
الكتاب؟ ما رأيك فى تحويل المدونات إلى كتب؟ ما رأيك فى من يهاجمونك لأن كتابك
بالعامية
ألتقى بغادة دائمًا وهى تأتى لغرض ما فى القاهرة. ألمحها بنتًا عادية بهرها الضوء وهيا
المحتمية خلف كونتر زجاجى فى الصيدلية بالمحلة الكبرى أو خلف شاشة الكومبيوتر.
نضحك سويًا لرغبة آخرين فى تحويل كتابها إلى مصنف مجموعة قصصية أو رواية، وهو
بالفعل ليس أكثر من مدونة نُشرت فى كتاب لأن جمهور الكتاب غير جمهور الإنترنت.عشر
نماذج بشرية عرضتها غادة فى كتابها عن عرسان تقدموا إليها.. فيهم يختلط الواقعى
بالمتخيل؛ مواقف حدثت لها وأخرى لأصدقاء لها. مواقف كل حقيقة وإن اختلفت نسبة الخيال
فى كل حدوتة أو مع كل عريس
فجأة يتحول الأمر لأرى روائيًا كبيرًا يرى أن الشروق قد اخطأت بنشر هذه الكتب لأنها
مؤلفة كتاب عايزة أتجوز وحيدة لا تزال. وأنا كناشر –غير رحيم- أفكر أنها ولابد وأن تبقى وحيدة لتكتب لنا عن نفسها وعن جيلها.كتبت فى مدونتها أنها تمثل 15 مليون بنت وحيدة، أعرف هذا ولا زلت أرى فيها وجهًا آخر للعملة. أن تحول خبرتها إلى حيز الفعل وألا تلفت لإعلامى يستغلها بعين الكبت وإنما بعين المجيب الفاعل عن السؤال: كيف أستفيد من وجودى على الهواء مباشرة للتغير من أشياء ولو بسيطة داخلنا
داخل الكتاب نفسه تشير غادة إلى أكثر من وقف يسترعى الانتباه تعليقًا على رجال الحزب الوطنى، كأنى بها أراها تحمل أصحاب الحكم والمسئولية عن جيلها عما حدث لها ولهن ولنا كذلك. اللصوص فى أثواب أنيقة وفى زعمى أن غادة إذ استمرت ككاتبة –ولابد لها أن تستمر ستتحول إلى قائد لجيلها من البنات والكاتبات كذلك اللاتى يحركن الساكن- قائدة ربما تمشى وسط الناس ولا تسعى للصراخ: أنا غادة. سيثير هذا غيرة أخرايت وآخرين. ستستمر (يا رب) لأنى لم أرها منافقة. أسأل نفسى دائمًا عن كتابها القدم. تبتسم وتقول: ادعيلى
الموضوع ليس مجرد عايزه أتجوز، وإنما كتاب يفضحنا على الملأ حكومة وأفرادًا ومؤسسات
أشعر بشئ يتسلل داخلى لأن غادة لحظة كتابة هذه السطور ربما تكون جالسة فى استدوديو مكيف وبارد، أمامها مذيعة لامعة منشغلة بتظبيط المكياج ورسم الابتسام. أراها من هنا وهى تنظر سريعًا فى الورقة التى أعطاها المعد إياها وبها الأسئلة المحفوظة. غادة تجلس تكتم توترها. يبدأ التسجيل فتسألها: غادة مخفتيش من المجتمع هيقول عليكى إيه لما بنت من الصعيد تقول عايزه أتجوز؟ ترد غادة: أنا من المحلة مش من الصعيد. تبهت المذيعة وتقول بعفوية: إزاى ده المعد قاللى انك م الصعيد. يصرخ المخرج ضاحكًا وقاطعًا التسجيل: معد إيه يا مدام؟ إحنا هنقول للناس إن فى معدين؟ تضحك وتحك غادة جبهتها. تعيد التسجيل وألمحها ودموعها تترقرق ولا تنزل كأنها انحدرت داخلها. تسأل نفسها: أنا إيه اللى جابنى هنا؟ تتنحنح وترد فى الواقع بالاستوديو: لا لا لا بابا بيشجعنى للكتابة. بعد التسجيل أتصل لأطمئن عليها. وأجد نفسى أنهى المكالمة وأقول: ولا يهمك يا غادة، بكره هنضحك على الأيام دى، سنصبح يومًا ما نريد. تضحك غادة جدًا وتعلق على ما قلت بإننى متفائل بالفعل بينما أعترف لنفسى أن كتاب غادة من أجمل ما قرأت. خللى بالك من نفسك