Friday, January 29, 2010

كتابى الجديد- فيلم رعب


فـيـلـم رعـــــب
يناير2010


دار أزمنة
بالاشتراك مع مؤسسة المورد الثقافى
المجموعة الفائزة بمنحة النشر لبرنامج صفحة جديدة بلبنان


Friday, May 08, 2009

سالومه الأقرع مايعرفش أخوه

سـالـومـه الأقــرع مـايـعــرفـش أخــوه






لا يذكر سرحان عبد البصير في "شاهد ماشافش حاجة" كثيرًا عن سالومه الأقرع. فقط أخبرنا أنه قضى معه ليلة في أوضة "متر× متر وربع" بصحبة الزميلين العزيزين: علي المفش وزكي بلاميطة. ترك لنا مهمة تخيل ذلك الـ(سالومه) خاصة وأن عين سرحان اليسرى موحية تمامًا بما فعله سالومه والمفش وبلاميطة.. أعتقد –مجرد اعتقاد- أن سرحان فقد بنطلونه فى تلك الليلة. لذا فلي الحق أن أتخيل سالومه الأقرع مايعرفش أخوه شبيهًا بزميل قديم أيام مدرسة "الأهرام الثانوية النموذجية بنين"، كنا نسميه "كامبا" حوالى 145سم ولديه اعتقاد جازم أنه مجرم حرب، ولديه استعداد بأن يثبت العفريت في المدينة. وإليه يُنسب دخول كلمتيّ "نفضله واحلقله" إلى مدرستنا البريئة، وأيضًا كلمة "إنزل من على وداني".. كامبا في رحلته لإثبات أنه مجرم كسب "أربع كابات" وأيضًا "سبعة أحزمة" كان يبيعهم لأوركر صديقه العتيد الذى يزوره قادمًا من مدرسة "أحمد لطفى السيد" بشارع الملك فيصل.لا شك أن كامبا حين كبر في السن صار هذا الرجل الذي أراه منذ سنوات بعيدة في موقف السيرفيس بالجيزة يعمل على خط جيزة- مشعل

كنت أسكن في فيصل من الفترة 1990 وحتى 2005 وأثناء تلك الفترة تعرفت إلى مجموعة لا بأس بها من سواقي الميكروباظ. كان منهم عم شاهين –الذي يعمل مخبرًا للحكومة في أوقات الفراغ- والذي كنت أحجز المقعدين الأماميين ليحكي لي باستمتاع عن زملائه وأحيانًا عن أم العيال.حكى لي عن سالومه لأنه أدرك أن الرجل استرعى انتباهي فانطلق:- سالومه كان عنده العجلة التويوتا أيام ما كان اللي يجيبها كإنه جاب مرشيدس. عليّ الحرام من ديني يا شيخ.. كان بيخش جيبه سنة 84 مش أقل من 80 جندي فى اليوم.- الرزق بتاع ربنا يا عم شاهين. - آه، بس لازم نشكر النعمة.ثم بصق من شباكه على الأرض أو على رجل –لا أذكر بالضبط-، واستكمل:- قوم سالومه عرف طريق الشم والبورشام لغاية ما باع العجلة، وبعدها دخل السجن في قضية تعاطي، وبعد ما طلع بقى كل شويه ياخدوه وبعدها رجعوه يمسك الموقف، ولما مشاكله كترت رجعوه سواق على الخط تاني.طبعًا ما حكاه لي شاهين إيجاز لا يخلو من خلل لتاريخ سالومه الأقرع مايعرفش أخوه. لأنني كنت أراقب سالومه منذ أن حكى لي عنه، وأحاول أن أسد الفراغات الزمنية في الحكاية

سالومه كان في كل مناسبة يخترع حوارات مع الزبائن ليخبرهم بفخر أنه توقف عن البورشام والشم وأنه يكتفي بالبانجو كل كام يوم، وأنه كذلك توقف عن شرب "الميه" نهائيًا ما عدا فى الأفراح "عشان يجامل".. سالومه استقبل أحد الركاب قائلاً:- مش علي دخل المدرسة- علي مين؟- علي ابني.- طب يا بني ألف مبروك.. ربنا يخليهولك


وفي أغسطس 2002 نظر في المرآة الأمامية ووجه إليّ الكلام أمام الجميع: - سلامو عليكو يا شيخ.- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.- أنا ناوي أطلع عُمرة.- ألف ألف مبروك..- يعني دى حاجة كويسة؟ أطلع يعني؟- آه طبعًا.. اتوكل على الله يا راجل.. حد طايل.- طب ما تشوفلي معاك 200 جندى أكمل على حق التذكرة.فيما بعد عرفت أنه "ثبت" زمايله وجَمَّع حق التذكرة فعلاً، ثم عاد بعد شهر أقرع فأطلقوا عليه "سالومه الأقرع". كانت أسنانه نصف صفراء ونصف فارغة ونصف مبتسمة، وقال للسيدة التي ركبت معنا من شارع العريش:- مش تباركيلي يا حاجة.- مبروك يا ابني.. خير إن شاء الله.- مش أنا عملت عُمرة وبطلت بانجو.ثم أخبرني بعد نزول السيدة أن ما ينغص عليه حياته هو كلب الأسفلت


يبلغ كلب الأسفلت 32 سنة، وقال لـ(كالابالا) اللي ماسك الكارتة إنه دفع 40 ألف جنيه عشان يقبلوه في معهد أمناء الشرطة. شخر كالابالا وأنَّبه:- لو كنت جتلي ساعتيها كنا قضيناهالك على تلاتينايه ويمكن 25 كمان.- أرزاق بقى.. ماحدش بياخد أكتر من نصيبه.. هتوكل أنا عشان عندي مأمورية مع جمال باشا.وترك كالابالا وتركني أتابعه حتى غاب عني، إلى أن حكى شاهين أن كلب الأسفلت "دفع 55 ألف جنيه عشان يدخل المعهد بس بيتكسف يقول عشان ماحدش يتريق عليه".. أبوه شيخ من شربين وقطع علاقته بابنه أشرف/ كلب الأسفلت بعد التعيين. بدأ تعيينه فى منطقة نائية وبمزيد من تفتيح المُخ نجح في الخدمة بالجيزة لفترة كانت كفيلة بإعادة الـ55 ألف فى عامين لا أكثر. اشترى أشرف بيه قطعة أرض في قرية اسمها المنوات بالجيزة كما اشترى شقة فى شارع العشرين بفيصل. يُعتبر كلب الأسفلت من مخضرمي سالومه الأقرع؛ أي أنه حضره وهو "سالومه" وأيضًا وهو "سالومه الأقرع".. كالابالا يوبخ سالومه الأقرع لأنه "مزعل" كلب الأسفلت و"مش بتراضيه زي زمان" صرخ بي سالومه -بعد أن اشترى شريط دعاء ليلة القدر للشيخ محمد جبريل من أمام مسجد الاستقامة-:- شفت؟؟ أهو جه الزمن اللي نعمل فيه اعتبار لزعل كلب الأسفلت.. والله الذي لا إله غيره.. لو كان كالابالا قالي الكلام ده من كام سنه لكنت تاويت الكلب ده. أنا بدفع كارتة مُجمعة آخر السنة وماحدش له حاجة عندي. ويبقى يوريني هيعمل إيه.كان سالومه قبل العمرة يدفع الكارتة المجمعة ويدفع لكلب الأسفلت 100 جنيه آخر كل شهر، ويحصل في مقابلها على عدد من الامتيازات، منها على سبيل المثال لا الحصر


- لسالومه الحق فى أن "يحمِّل" ميكروباصه في أي مكان بالميدان ولا يشترط أن يكون بالموقف


لسالومه الحق فى ألا يضع حزام الأمان


لسالومه الحق فى تقطيع المسافة.. فبدلاً من جيزة- مشعل. فيمكنه أن يصل بسيارته إلى الطالبية أو حسن محمد أو التعاون بنفس الأجرة، ومن التعاون يُعيد تحميلها ثانية إما إلى الجيزة أو إلى مشعل/حسب الغزالة


لسالومه الحق في الاتصال بكلب الأسفلت 24 ساعة كهوت لاين في حال مواجهته لكلاب أسفلت أخرى على السكة.. يُعطى المحمول للكلب ثم يمر


إذا دفع سالومه مائة وعشرين جنيهًا في الشهر فإن لسالومة امتيازًا إضافيًا، وهو:- سالومه غير مُدرج فى جدول العجل اللى بيتاخد مأموريات


أما إذا دفع مائة وأربعين فإن الدنيا زهزهت مع سالومه ويمكنه أن يسير بدون رخصة


وفي المقابل هناك بعض الحقوق الأدبية -غير الملزمة أحيانًا- لكلب الأسفلت، ومنها


كلب الأسفلت يركب من غير أجرة


حريم كلب الأسفلت يركبن من غير أجرة


أخوات وأقارب وجيران حريم كلب الأسفلت يركبون من غير أجرة


اللي "مظبطين" حريم كلب الأسفلت يركبوا من غير أجرة


لكلب الأسفلت وحريمه الحق –وقت اللزوم- في استعمال الميكروباص عربة ديليفري لتوصيل الخضار واللحم والخبز


بعد انتهاء الوردية يُمكن لكلب الأسفلت أن يأخذ سالومه مشوار عشان يجيبوا مصلحة


أعاد سالومه الأقرع تلك الحسابات واتخذ قراره، وجدته أمامي يسألنى:- هيّ مش الرشوة حرام؟- آه.- أنا تبت يا عم، بس كلب الأسفلت مش هيرحمنى وبعتلي على المية جنيه مع كالابالا.- ولو ما دفعتش هيعمل إيه؟- هيعمل حاجات قلة أدب، وإحنا معانا حريم فى العربية. ده غير إنه هيوزع نمرة الميكروباص على كل الكلاب زمايله.. ومش هعرف حتى أجدد من كتر المخالفات.- طب ما تشتكيه.- قلبك أبيض يا شيخ
بعد ذلك التاريخ بثلاثة أشهر جمعتني الصدفة بشخص شديد الشبه بسالومه في جامع عمرو بن العاص. لكنه كان أنحف وأغمق وأعرج. صرخ بي:- مش دي شورتك؟- أنا جيت جمبك إنت مين يا عم؟- أنا سالومه.. مش قلتلي اشتكي. آديني جاي أشتكي.. مافيش أرحم من ربنا على عباده. قادر يخلصني من كلب الأسفلت.حكى لي شاهين بعدها أن روح سيادة القانون تلبست سالومه فانطلق إلى قسم العمرانية يتهم أشرف بالبلطجة، وانطلق إلى إدارة مرور الجيزة، وانطلق إلى مديرية أمن الجيزة، وانطلق إلى وزارة الداخلية.. طبعًا كل هؤلاء انطلقوا وراءه بعدها فهو المدمن السوابق -الملتحي حاليًا- وليس من المعقول أن يصدقوه ويكذبوا "أمين" شرطة لم تصدر ضده أي شكوى

خرج من القسم وجد سيارته مسحوبة الرخص وعليها مخالفات بأربعة وثلاثين ألف جنيه. قال لي شاهين إن سالومه استفتى أحد الشيوخ في قتل كلب الأسفلت ولمّا علم أشرف بالأمر ذهب إليه وعرض عليه التصالح فرفض سالومه قائلاً بعنفوان:- بيني وبينك وزير الداخلية، ولو مانصفنيش هروح لرئيسه ولو مانصفنيش هروح للريس شخصيًا ولو مانصفنيش هروح للبيت بيتك.- أنا كده يا شيخ سالومه عملت اللى عليّ عشان ما تركبنيش حق

بعد هذا التاريخ بستة أشهر جمعتني الصدفة بشخص شديد الشبه بالشخص الذى قابلته في جامع عمرو.. كان أقصر وأسود وبدون لحية أو أسنان.. صرخ في:- مث أنا لثه جاي من البيت بيتك.- طب اقعد استريح يا حاج.. صلي كده على النبي وقولي انت مين الأول.- يا عم أنا ثالومه الثواق بتاع الجيزة.. نثيتنى؟؟صرخت:- يا نهار أثود.. ثالومه؟! مث ممكن.- اثبر بس.. وحياة ربنا ليثيبها بفضيحة.. أنا مث هثيبه


طبعًا بعد هذا التاريخ توقفت عن الذهاب إلى جامع عمرو إلى أن وجدته في الموقف بالجيزة واقفًا على الرصيف يصرخ:- الله أكبر.. الله أكبرووجدته يوزع كسكسي وبليلة بالكنافة على السواقين، وعرفت أثناء هذا أن أشرف بيه نقلوه من الجيزة للصعيد.. رأيت ميكروباصه وقد عادت للخط وكتب عليها:الحمد لله المتين ومش هدفعلك يا سيادة الأمين


Friday, February 20, 2009

ثمانية وعشرون عامًا

ثمانية وعشرون عامًا


لم يكن مصطفى –أخى الصغير- قد أتى بعد. فلم يكن غيرى وأحمد –أخى الكبير- فى الشقة الصغيرة، حين كان أبى يذهب إلى وكالة أنباء الشرق الأوسط، وتذهب أمى إلى مدرسة محمد فريد الابتدائية. تشير أمنا إلينا بسبابتها:
- محدش يفتح البوتاجاز
- حاضر
- وماتنزلوش وأنا مش هنا
- حاضر
- ولو حد خبط ماتردوش ولا تفتحوا لحد غريب خالص
- حاضر
- ولو جوعتوا هاتلاقوا الأكل فى فرن البوتاجاز
- أحمد!
- نعم
- خللى بالك من أخوك
- وانت يا محمد ماتتشاقاش وماتتضايقش أخوك
- الساعه 11 هيبدأ اليوم المفتوح اتسلوا بيه لغاية ما آجى

أظن أنه من نافلة القول أن أحكى أن كل تلك التعليمات اليومية كانت تذهب أدراج الرياح عندما كانت أمى تغيب فى أول شارع شمال بعد البيت. أمى أنجبت أحمد ومحمد الذين يقفزان من البلكونة –كنا نسكن بالدور الأرضى- إلى الشارع ونجرى بمصروفينا –عشر قروش لكل واحد- لنركب المرجيحة ونحن ننظر بحسد إلى أيمن –شرشبيل طفولتى- الذى كان يكبرنا وينجح ابن الإيه فى تعويم المركبة وأن يصل إلى واحد وثمانين لفة دون أن يشعر بالدوار. أركب فى المركبة بينما يتحمل أخى مسئوليته كأخ كبير ويتولى مهمة أن يدفعها بقدميه لترتفع لأعلى.
بعدها نهرول إلى بابا عبده للحصول على كيس الكراتيه والمصاصة، كنا نخاف من الاسترسال فى المشى حتى لا نضل الطريق ويعرف أبى أننا خالفنا التعليمات. نعود إذن كما نزلنا ولا ننسى أن ننظف آثار الأقدام من فوق بلاط البلكونة ثم نغسل أقدامنا جيدًا ونجلس فى انتظار أمنا.
أحمد كان لا يسمع كلامى.. يفك كل شىء ويكسرها، وعندما يكتشف أبى هذه الأمور فإنه يضربنا..
- أنا ماليش دعوه.. هو اللى بوظها
طبعًا هذا صوتى الذى يقطع القلب وأنا أتأوه تحت تأثير الحزام الجلدى.. فأحمد وأنا لم يكن لدينا الصبر على انتظار أمنا خمس ساعات بلا مشاكلات. تعود أمى لتجد البيت خرابه من لعب الكرة والكراسى والبلى.

وعندما يعود أبى ولا يجد مصائيب فإنه يقلق جدًا ويشعر أن ثمة غريب قد استبدل ولديه فى لحظة غفلة.. كنت أستغل الموقف وأطلب شلن مكافأة. أطير بها لأحضر شلن آخر من أمى وأطير إلى بابا عبده لأشترى دولسى. أنا فانيليا وشيكولاتة، وأحمد فانيليا ومانجة. كان ذلك عام ستة وثمانين وكنت حين... همممممم.. ستة وثمانون؟؟ بالتأكيد يخوننى الحساب وبمزيد من التفكير بعد السؤال أن الدولسى أبو شلن كان منذ ثلاثة وعشرين عامًا. الشيبسى والصودا وثلاثة أرغفة بشلن والدولسى وطبق العسل الأسود من عند حسن والأهرام من عند السنى والحواوشى من عند عجورة والقهوة بالليل مع عمى مرسى والملبن من عند العينى –صاحب البيت- وترابيزة البينج بونج قدام بيت أم وائل وحضانة ميرامار ومدرسة محمد فريد وأبو تامر وعم حامد وعم فكرى وأبلة فاطمة وأبلة وردة وأبلة فتحية وأستاذ ألفونس وفاتن وزر لانشون مصر والسودان والبطاطس المحمرة والآيس كريم فى كرة بلاستيك نلعب بها الكرة بعد أن نجهز عليها والخرطوم والخشبة والنظارة أم سلسلة عندما كانت تسليتى تليفزيون أبيض بمؤشر بلاستيك يعرض صور المساجد الثلاثة (المكى و الأقصى والنبوى) وكاميرا تضغط على زرها فتعرض لك عددًا من الصور ورانيا... كل هذا كان من ثلاثة وعشرين عامًا..

أكمل عامى الثامن والعشرين وانا أعرف أن المشكلة لا تكمن فى مرور الزمن بقدر ما تتعلق بإحساسى بمرور الزمن. مقابلتى لمجموعة ولدت بعدما غادرت شقتنا الأولى إلى المريوطية يعنى أنها ولدت فى عام تسعة وثمانين جعلنى أشعر أن الجامعة نفسها بعيييييدة. عندما لم يكن هناك محمول ولا إنترنت ولا تيلفون مباشر للمحافظات.. عندما كنت أمشى فى المريوطية صغيرًا ومرعوبًا من الظلام والوحدة.. عندما كان شارع فيصل شبه خاوٍ.. وعندما لم يكن هناك دش.. لم أكمل الثلاثين وأشعر بالعجز حين تفجعنى نظرة الدهشة فى عيون شباب عندهم عشرون عامًا لأنهم لم يروا شيئًا مما أحكى. حتى عمرو دياب –مطربى المفضل- أصبح لديه ثمانية وأربعون عامًا.. تذكرنى أمى بضرورة الزواج من حين لآخر وأنا لا أهضم أى بنت أدخل على صفحتها بالفيس بوك وأجد أنها من مواليد تسعة وثمانين! ولا أهضم فتاة تماثلنى أو تكبرنى وتشعر فى كل لحظة أنها تريد (أى حمار والسلام) الزواج لأن العمر يجرى يا معلم كيمو. ههههههه صباح الفل يا كيمو. أريدك هذا الصباح مختلفًا وكعادتك عاشقًا للحياة كما لم يعشقها أحد.. هذا العشق الذى كلفك خسارة كثيرين يريدون المعيشة لا الحياة.. ثمانية وعشرون عامًا أحياها كما أريد لا كما يريد لى أحد. امممم حتى وأنا أقترب من عام محدد أعرفه جيدًا أشعر أن الأفضل قادم لا محالة وأن الحياة التى أتمناها لم أحقق منها إلا جزءًا يسيرًا.. إذا كبرت ستكون لى ذكريات وكتبًا أكثر وعالمًا آخر أحياه سعيدًا.. الحياة تختلف كثيرًا عن الدنيا. حب الحياة يختلف عن حب الدنيا.. الله العظيم أعطانى ثمانية وعشرين عامًا وأحلامًا لا تتوقف وأصحابًا أوفياء ومشروعات تتحقق، وأعطانى وأعطانى.. بينما لم أعطه شيئًا.. آسف يا رب.. أعطنى المزيد من الصدق والعمر لأعتذر.

Monday, January 19, 2009

قهوة المصريين

قــهــوة الــمــصــريــيــن



إزيكم يا جماعه

عاملين إيه

يا رب تكونوا كويسين

المتابع لمدونتى عارف إنى من شهر مارس اللى فات بدأت مجموعة من التدوينات عن مواقف حصلت لى أنا والحسينى على القهاوى

مصطفى اللى أنا وهو القهاوى خدت مننا رقات
مصطفى كمان مسكتش
وكتب هوه كمان عن القهاوى
www.m-hosyny.blogspot.com
وحكاياته معاها ومعايا
القهوة اللى هيا المسرح
الاستاد
الدنيا
السنين اللى فاتت من عمرنا

قابلنا ناس كتير

ضربنا واتضربنا

حبينا وفارقنا

بيعنا واشترينا

فرح وزعل وكذب وصدمة

وكل حاجه نفسكو فيها

قهاوى كتبناها أنا والحسينى

قهاوى حكينا فيها على حاجات كتيييييير

حاجات خليتنا نضحك وحاجات خليتنا نعيط

يا رب الكتاب يعجبكم


قـهـوة الــمـصـريـيـن
دار الــشـروق
يـنـايـر
2009

Tuesday, December 23, 2008

أبناء مصر

أبـنـاء مـصـر
بعد أن تزوج شريف مصطفى –أقدم أصدقائى- (ربما سأحكى عنه فى كتاب منفصل!) وأنا أزعج زوجته جدًا لأنها تضطر إلى البقاء ساهرة لزوم الشاى والكاكاو والفراخ لنستمتع لأقصى درجة بالبلاى ستيشن.
وبعد أن تزوج الحسينى وهو لا يبيت خارج بيته إلا فى بيت عائلته أو عائلة زوجته! نموذج للزوج المستقيم. أقصى ما نحلم به أن يزور أحدنا الآخر فى بيته ويرحل بعد منتصف الليل. فى تلك الزيارات نقضى الوقت فى مناقشة الأمور الأدبية والأحلام الكتابية التى تحتاج إلى أعمار وأقلام لكتابتها.
ومن المعروف أن الزيارات تكون أكثر للأشخاص ذوى الاهتمامات المشتركة؛ ولذلك فإنكم غالبًا ما تجدوننى فى شقة شريف!! أيوه شريف، مستغربين ليه؟ بنقعد نلعب بلاى ستيشن للساعه تمانيه الصبح. مشكلتى الأساسيه إنه مزعج جدًا.. شريف مش البلاى ستيشن. بيقعد ينادى على اللاعيبه طول ما هو قاعد. فجأه تلاقى شيفشينكو بيجرى بالكوره وشريف معجب بيه أوى وبيقول:
- شيفشينكو شيفشينكو شيفشينكو شيفشينكو شيفشينكو شيفشينكو شيفشينكو شيفشينكو شيفشينكو....
وهكذا مع دروجبا وكريستيانو رونالدو ولامبارد ورونالدينيو، ده غير إن كل ما ينفذ لعبه حلوه يفضل يعيد فيها ومن جميع الزوايا، ويفضل يضحك ويقلد عصام الشوالى.
وعندما أعلق على تفصيلة فى اللعب أجده يقول بابتسامته الودودة وبهدوء:
- على فكره يا كيمو.. إنت فى بيتى

طردتنى زوجة البواب برفق بعد نداء متكرر على الشيخ شريف فى عز الليل. قالت:
- معلش يا شيخ.. الناس نايمه والشيخ شريف مش هنا
انفعلت وعلى رأى الحسينى هجت ومجت وازاى شريف يدينى معاد ويمشى، صرخت به فى المحمول:
- إيه يا حيلتها.. إنت فين؟
- عند حمايا
- حماك؟ مش المفروض فى معاد؟؟
قاللى النهارده إيه؟ قلت النهارده السبت. من خجلى تهت ودبت. ما لقيتش عندى رد. معادنا كان الحد. وبعد أن كنت فى وسط موجة غضب وبعد أن رمالى نجمه وطوق، قال:
- اتلقح يا حيلتها فى أى حته وهاجيلك بعد نص ساعه إن شاء الله
سألت زوجة البواب:
- فى هنا قهوه قريبه؟
تدخل عابر سمعنى:
- على الناصيه هاتلاقى قهوة أبناء مصر
وأنا على أبناء مصر أتأملها بطاولاتها المربعة البيضاء المملة، وجدت الحسينى يتصل بى:
- أيا كمال.. عندى خبر وحش
- خير
- ديوان الشعر بتاعنا اللى فى المطبعه "وِلِع".. أنا هروح بعد ربع ساعه وأشوف إيه اللى ممكن يتعمل
أنهينا المكالمة واستعوضت ربنا فى الأربع تلاف جنيه خصوصًا وأنى أعلم أن طيبة وأخلاق الحسينى ستجبره على مسامحة صاحب المطبعة على هذه الوليعه التى أصابتنا. كثيرًا ما يشعرنى الحسينى أنى وغد لئيم. كانت رأسى بين يدى زى اللى روح مالاقش بيتهم. أما القهوه فكانت تشغل أغنية أديك تقول ما خدتش لأحمد عدوية. أتى القهوجى واضعًا أمامى ينسون لم أطلبه، وقال:
- خطوه عزيزه يا سعادة الباشا
إحساس مهم إن القعده دى مش هتكمل على خير والرجل يقول:
- متقلقش الشيخ شريف زمانه جاى
- وانت عرفت منين إنى مستيه؟
- ودى محتاجه مفهوميه.. كل دول مستنينه
معلوماتى الأخيرة عن شريف أنه لم يصل بعد إلى مرحلة الإفتاء وأن يكون له مريدون. كل دوووول يا شريف. ثم مستحيل يكون مواعدهم لأنه على موعد معى للبلاى ستيشن. قال:
- هو حضرتك هتبيع ولا لسه هتفك؟
- أفندم؟
لم يجد ليه الوقت ليوضح إذ انصرف ليلبى طلبات زبائن أخرى. اقترب منى أخ فاضل وجلس إلى جوارى وقال فورًا:
- قول لا إله إلا الله
- لا إله إلا الله
- عندى حد يخلصلك مصلحتك، وزيه زى الشيخ شريف وهيطلع برضه خمسه فى المايه عشان ربنا يبارك
- لا أنا الحقيقه مستنى الشيخ شريف عشان عايزه فى مسأله شخصيه
- شفت يا شيخ.. هما الشيوخ كده.. مايشتغلوش غير مع شيوخ زيهم.. بقى أنا مآمنلك وانت مخونى.. بكلمك بصريح العُباره من غير ما أسأل عنك ويمكن تكون مباحث ومع ذلك داخل معاك بعشم
- مباحث؟
أتى القهوجى الذى قال إن اسمه إبراهيم:
- ها يا بيه.. لسه مقلق؟
- لا يا جماعه.. واضح إن فيه سوء تفاهم
- يا بيه مافيش سوء تفاهم.. أنا قاريك.. إنت مقلق. قول بس.. فرعونى ولا رومانى ولا قبطى ولا إسلامى؟
بدأت أفهم فصرخت بشويش:
- إنتوا فاكرينى تاجر آثار؟
- لا يا باشا.. الوشوش بتبان ولو كنت تاجر مكنتش جيت لشيخ شريف. أصل الشيخ بيفك الرَصَد ويطلع الِلقيا بس. إحنا عايزين نجيب لقمة عيش لجماعه حبايبنا برضه. أصل من ساعة شيخ شريف ما اشتغل ومفيش حد بياكل جمبه.. هيا الأرزاق بتاعة ربنا صحيح بس الرحمه حلوه برضك
- من إمتى وهو بيشتغل؟
- مش من كتير. من ساعة ما اتجوز. بس ربك والحق نضيف ف شغله وبيطلع الخمسه فى المايه قبل ما حد يمد إيده
_ خمسه فى المايه؟
- آه ده حق ربنا. إوعى تبخل.. طلع خمسه فى المايه بتاعة اللقيا عشان ربنا يباركلك
انزويت قليلاً فانصرفا عنى وقد فهما أننى أفكر.. كنت فى الحقيقة مصعوقًا مما أسمع خصوصًا وأنى منذ أن انتقل إلى أكتوبر وأنا أرى شريف بصعوبة شديدة.. معقوله يا شريف؟ معقوله بتاجر فى الآثار؟ ليه كده بس؟ هيا ناقصاك انت راخر.. وجدت الحسينى يتصل فتحضرت لمصيبة جديدة.
- أيا يا كمال.. الكتاب ما ولعش الحمد لله
- الحمد لله.. أمال إيه اللى حصل؟
- المتن سليم والزنكات.. بس ورق الغلاف هو اللى ولع
- الحمد لله إنها جات على قد كده
- الحمد لله، بس أنا بتصل عشان حاجه تانيه
- خير
- الأربع كتب اللى كانوا فى المطبعه ومستنيين النقل
- مالهم؟
- فاكر الواد حسام اللى شغال معاهم فى المطبعه؟
- آه
- اتخانق مع اسطى عطا ونقل 8 كتب، منهم الأربعه بتوعنا
- نقلهم فين؟
- محدش يعرف.. وساب البيت وابوه مايعرفش راح فين
- إيه التهريج ده؟ حفل التوقيع التلات الجاى
- معرفش بقى والمطبعه بيقولوا إن دى مش أول مره.. ومحدش عارف ياخد مع أبوه لا حق ولا باطل.. بيقولوا الواد مغلبه
- وبعدين؟
- معرفش.. اهدى كده وفكر فى حل لغاية بكره الضهر
اقترب منى زميل فاضل من الطاولة المجاورة:
- جاى تتطلع ولا تبيع؟
ربكم والحق، قلت أتسلى:
- لا ده ولا ده.. أصل عندى 8 حتت واد مقلبهم وهربان بيهم، منهم أربع حتت يخصونى
- يا خبر.. 8 حتت مره واحده
- نصيب بقى.. الواد اتخانق مع الشيخ بتاعه وهرب بيهم.. المشكله إن الناس مستيه الأربع حتت دول يوم التلات الجاى
- هو انت جاى لشيخ شريف؟
- آه.. قلت يمكن يلاقيلى حل
- بس الشيخ شريف مالوش دعوه بالحاجات دى، ده بيطلع وبس
- هسأله وهو يقرر
جاء زميل فاضل آخر، ابتسم وسأل عن الحكايه، وبعد لحظات وجدت أربعة زملاء أفاضل حولى يتناقشون فى كيفية إعادة الحتت
- هما فرعونى ولا إسلامى؟
- اتنين سرد وواحد تفعيله واحد نثر
- نعم؟؟؟؟
- لا لا ماتخدوش فى بالكم.. هما أربعه وخلاص
تدخل زميل خامس كان معدى وقال يشارك:
- أنا عندى حل
صرخت:
- الحقنى
هز رأسه وقال بحسم وجدية:
- إعمل زى الحكومه
- إزاى؟
قال قاطعًا الشورت فى البسين:
- مش لما الحكومه بتعوز تقبض على واد هربان بيمسكوا حد من أهله عشان يسلم نفسه؟
- آه (كل الناس اللى قاعدين)
- إنت كمان إعمل كده، هتصلك باتنين عتاوله دلوقت.. مش هقولهم رايحين لإيه عشان ميطمعوش.. هتدى لكل واحد بتاع متين جنيه يخطفولك أبوه ولا أخوه.. هاتلاقى الواد هو اللى بيدور عليك
قلبتها فى دماغى مفكرًا فى عناوين المصرى اليوم وأخبار الأدب والبديل وبرامج دريم والمحور والجزيرة
"القبض على روائى بتهمة البلطجة"
"خلاص البلد باظت.. كاتب مغمور يحبس عجوزًا ويجبره على خلع ملابـ..." لا لا مش الخبر ده
"هى دى مصر يا عبلة"
- ها يا شيخ.. قلت إيه؟
انتزعنى صراخ الزملاء الأفاضل من الحملة الصحفية لأقول متوترًا وقد غلبتنى الفكرة خوفًا من فضيحتنا الثلاثاء القادم..
- بس مش عايز شوشره
- مين هيشوشر يا عم الشيخ؟ إنت عايز تحبسنا؟ دى آثار
قال كلمة "آثار" هذه بلهجة مرتفعة فأفزعنى فقلت بسرعة:
- خلاص خلاص.. اتصل بالناس
اتصل أمامى بواحد اسمه كارينجا وأمنه أن يحضر خبؤه (هو أنا سمعت فين الاسم ده قبل كده) ويقابلونى بعد ساعة أمام البرج الأولانى من أبراج ساويرس من ناحية التحرير. اتصلت بالحسينى وقلت له أن ينتظرنى فى نفس المكان.. ثم اتصلت بصاحب المطبعة ناصحًا له لآآآآآآخر مرة قبل أن أقوم بعمليتى الوقائية للحرب على الإرهاب ومؤكدًا عليه أن يفعل أقصى ما بوسعه لدى والد حسام لإعادة الأمانة.
لحظات وأكد علىّ الجميع بضرورة الهدوء لأن الحاجات دى عايزه الراجل الراسى خصوصًا وإن الحكومه مفتحه عنيها على اللى زينا.. كمان دول ناس ميعرفوش ربنا (قصده على الحكومه) ليه بقى يا زميل؟
- إزاى يحرموا بيع الآثار؟ واحد ولقى حاجه تحت بيته، هما مال أبوهم؟ كمان لو عملت وطنى وبلغت بيصادروا أرضك وبيتك.. مين بقى هيبلغ؟ كمان لا مكافأه ولا حتى 10 فى المايه.. يعنى لو لقيت شنطة فلوس أحسلى من شنطة آثار.. ثم أنا سألت شيوخ كتير وقالولى حلال حلال حلال.. كمان دى تماثيل قديمه مش هيعملوا بيها حاجه وهيرموها فى المخازن
أمن إبراهيم القهوجى على كلامه وهو يقول لى:
- ما هى حكومتنا لو جامده وبتفكر مكانش حد عمل كده.. مصر عامله زى الخليج.. الخليج عايم على بترول وإحنا عايمين على آثار.. بالك يا شيخ.. لو عندنا ناس صح كنا فطرنا واتغدينا واتعشينا دهب.. بس تعمل إيه بقى..
وجدت محمولى يرن:
- أيوه يا كيمو.. أنا وصلت البيت وشغلت البلاى ستيشن
- ماشى يا شيخ.. إنت ليه مقلتش إنك بتشتغل فى الآثار؟
- إيه يا كيمو.. إنت سكرت ولا إيه نظامك؟
- متنكرش كل الناس بتكلمنى عنك وشاورولى كمان على بيتك.. يا حبيبى كل الناس عارفه بيتك حتى بتوع مكافحة سرقة الآثار
- هو انت فين؟
- مالكش دعوه.. إنت مخبى عليا عشان مبلغش عليك.. طب إيه رأيك بقى إنى هبلغ (انفض الزملاء الأفاضل من حولى) عشان تتربى
- يا ابنى إهدى أنا مش فاهم منك حاجه
- بقولك إيه أنا مش فاضيلك دلوقت، عندى معاد عند برجين ساويرس وبعدها هرجعلك
- برجين ساويرس؟
- آه مستنينى كارينجا وخبؤه، ومش هينفع أتأخر
ثم أنهيت المكالمة دون انتظار رد فوجدت اتصالاً آخر من صاحب المطبعة:
- ينصر دينك يا أستاذ محمد
- خير
- قلت لأبو حسام على اللى انت ناويه وهيجيب الكتب بعد نص ساعه
من منكم شاهد فيلم ذا روك عندما تلقى الضباط فى حجرة العمليات إن نيكولاس كيدج نجح فى رفع الإشارات الضوئية الخضراء مما يعنى نجاح العملية سلميًا دون داعى لتفجير الجزيرة وقتل الرهائن؟؟ هكذا فعل الزملاء الأفاضل.. قفزوا من حولى ابتهاجًا بعودة الحتت بتاعتى.. وسارع الزميل بالاتصال بكارينجا:
- ارجع ارجع، الناس جابت الأمانه

بينما وزع إبراهيم مشاريب على حساب الشيخ شريف لأن 8 حتت يساوو الشئ الجامد، والحاجات دى رجعت عشان شكلى واد مش وش بهدله.. بعد قليل دخل شاب عظيم البطن وصغير السن وصرخ أحد الزملاء:
- ابسط يا عم.. أهو الشيخ شريف وصل أهو
أمسكت بالقهوجى:
- هو ده؟
- آه.. أمال انت فاكر مين؟
بوست القهوجى من بقه وأنا اتصل بحبيبى الرايق:
- أيوه يا شريف.. إنت طلعت برئ
- ربنا يعوض عليا فى عقلك يا بنتى.. تعالى وانجزى يا سوسن بدل ما انزل أولع فيكى
جريت من القهوه قبل ما يعرفوا الحقيقه ويكتشف الشيخ شريف إنه لبس فى خمسين جنيه بالميت حساب أفراح القهوة بعودة كتبى سالمة إلى المطبعه..

كان صراخى وشريف أمام دروجبا وشيفشينكو عاليًا فلم أسمع رنة محمولى إلا بعد ساعتين ونحن نعد الشاى.
- أيا كمال.. إنت فين؟
- أنا عند شريف
- شرييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييف؟؟
فهمت الأمر كله دفعة واحدة:
- يا نهارك أبيض.. إنت عند برجين ساويرس؟
- بقالى 3 ساعات
- معلش حقك عليا.. أنا آسف جدًا لما أشوفك هشرحلك
- لا تشرحلى ولا أشرحلك.. والكتب اللى عند حسام ابقى هاتها انت.. عشان لما تلطعنى 3 ساعات فى البرد ده يبقى عند حق

Saturday, December 13, 2008

أشياء لا تخص أحدًا بعينه

أشياء لا تخص أحدًا بعينه
قصة قصيرة
محمد كمال حسن
ــــــ
عارفة أننا تخرجنا منذ شهور وأنك لم تشتغل بعد وأن الـ... آه، هذا الكلام الذى يبدأ بـ(عارفة) ثم ينتصف بـ(لكن) ثم ينتهي بـ(أقترح)، وهو ليس اقتراحًا وإنما أمر واجب النفاذ؛ لأنه ماما متضايقة جدًا من وضعنا وأخي يتخانق معى كلما نزلت. عنده حق وماما عندها حق، أنا كبرت.. كبرت فعلاً. زوى ما بين حاجبيه ينتظر الكلمة التالية. بالمناسبة، بالأمس جاءنى عريس ورفضته طبعًا، لم أقل لك من قبل هذا حتى لا أضايقك. مشكلتك أنك صدقتِ ما قلته لكِ. كانت تجلس إلى حافة مقعدها وتتكلم بحماس وتقدم رأسها نحوه ممسكة بطرف المنضدة بيدها الاثنتين. وهو كان ينظر إلى البخار الذى يتصاعد من فمها أثناء الكلام ويبدو مستغرقًا فيه. ماما خائفة علىّّ، تصور بنت خالى لم تتزوج حتى الآن، تصور 31 سنة من غير زواج ولى جارة 27 سنة وصديقة 29، هناك كثيرات طبعًا ولكن. صمتت لحظة لتلتقط نفسًا ثم تابعت بحماس: أنا عندى21 وقدامى وقت طبعًا، لكن ماماااا.. أنت عارف، أما أنا لو علىّ فـ. الميدالية كانت فى يدى الآن أين ذهبت، وقعت تحت الكرسى. متى وقعت وكيف لم أشعر بها. الميدالية غالية علىّ جدًا، هدية من صديقة قديمة. أخى لا يكرهك ولكنه طبعًا لن يقبل بـ... كانت صديقة فعلاً وكنا نتكلم بالساعات فى التليفون، صحيح كانت بنت لا مؤاخذة لكن كانت جدعة، يخرب عقلك دمك شربات. بنت خالى راسها وألف سيف تتزوج عن حب وهذا ما أخرها إلى الآن. ياااااه كل ما أفكر..31 سنة.. كثير فعلاً.


ياليت كنت أقدر أكلمك، لولا غيرتِ الرقم يا بنت الإيه. غيرت الرقم وقالت له إنها ستتزوج بعد شهر، وضعت أصبعها تحت إبطه تداعبه وتكمل: أنت عارف الإحراج، ثم ضحكا.المشكلة ليست أن تأتى البيت لتخطبنى، المشكلة فى، فى، فى،....، هل أنت جاد فعلاً. حاول أن يتخذ أفضل الأوضاع فى جلسته غير المريحة وهز رأسه أمامها متفهمًا مشكلتها. كانت لديه عادة لم تكتشفها إلا صديقة قديمة، كان يردد آخر كلمة يقولها الجالس أمامه ويقول: ممكن توضح؛ فيسترسل الآخر فى الكلام بينما هو يحملق فيه مبديًا التفهم والانغماس فى حين يفكر ويرتب أشياء أخرى، ثم يقول الشخص الجالس شادًا على يديه بعد انتهاء الحوار إنه أفضل مستمع رآه فى حياته. الناس فى بلدنا تتكلم أكثر ما تسمع


ابتسم على الرغم منه عندما تذكر صديقته وهى تحذره بعنف أن يفعل معها هذا. لماذا تبتسم، أخى فعلاً رجل البيت، بابا لم يمت ولكنه منفصل عن ماما من زمان. عارف، هو أيضًا يحب. دخل المكان شاب فرآه، كان صديقًا قديمًا يراه دائمًا بالمصادفة وعلى فترات متباعدة، سلام حميمى وسؤال حميمى وعابر وغرضه الوفاء بحق المقابلة العارضة، أحوال و أخبار وسلام و أشوفك بخير. الكرسى غير مريح بالمرة. عارف طبعًا أنى أعرفك من وقت قريب، لكن والله العظيم والله العظيم والله العظيم أتعامل معك كما لم أتعامل مع شخص فى حياتى لدرجة إنى أحكى لك كل خصوصياتى، خصوصياتى كبنت، عارف.... هذه المرة الدورة تأخرت. تأخرت؟ ممكن توضحى. الدورة لما تتأخر إما حمل أو حالة نفسية، يعنى أنا فى حالة نفسية سيئة بسبب موضوعنا وماما و... نظر فجأة باستغراب حوله ثم رفع كفه أمام عينيه يقبضها ويبسطها أكثر من مرة، ثم فرك عينيه محاولاً أن يعتصر ذاكرته، متى، كيف، أين، مالك؟ تململ فى مقعده كثيرًا وهرش رأسه بحيرة وظل وقتًا كأنه يريد أن يسألها سؤالاً ثم يعود فيحجم إلى أن قال أخيرًا: من أنت؟
.

Tuesday, November 11, 2008

على بابا والأربعين توك توك

على بابا والأربعين توك توك




أن تتخذ قرار بناء بيت لك كمثل أن تتخذ قرار الزواج. لا تستمع فيه إلى نصيحة من سبقوك ثم تندم حيث لا ينفع الندم، وعندما يسألك أحد عن أحوالك يجب أن تقول: -الحمد لله يا راجل.. كده الواحد أحسن كتير كما يجب أن تكون مبتسمًا لئلا يشمت بك أحد وإن كان أقرب الناس إليك. لم ألتفت إذن كثيرًا لمبررات الحسينى العائلية حول وجوب بناء بيت عائلى فى بنى سويف –مسقط رأسه- واكتفيت بأن أعمل ما يمليه علىّ ضميرى ودعوت له بالتوفيق.



2 ظهرًا – محافظة السادس من أكتوبر


اتصلت بالحسينى لأخبره أنى مسافر إلى زاوية المصلوب (قريتى بنى السويفية) لأزور عمى الذى عاد من السفر أمس. فقال الحسينى: -طيب ما تستنى نسافر سوا.. أنا مسافر عشان صبة السقف بكره

-أنا عندى مشوار فى الجيزه هعمله وأركب من المنيب..

-يناسبك نتقابل هناك الساعه 6؟

-خلاص 6 فى المنيب


6,00 – موقف السيارات بالمنيب


-أيوه يا بنى.. إنت فين؟

-إنت وصلت؟

-أيوه.. جاى ولا أسافر أنا؟

-أنا نزلت من دقيقتين..استنانى..أقل من نص ساعه إن شاءالله واكون عندك،ماشى؟

-هدور على قهوه أستناك عليها،بس قبل ما توصل بخمس دقايق كلمنى عشان اتحركلك.ماشى؟

أنهيت المكالمة ثم انتبهت إلى أن مكالمتنا كانت تنتهى كل جملة فيها بعلامة استفهام ولا توجد جملة واحدة تنتهى بنقطة. لم أفهم فى وقتها ما الذى يعنيه هذا. زاوية المصلوب على بعد ساعة واحدة فقط من المنيب إذ أنها تابعة لمركز الواسطى القريب. اسمه سفر على أية حال وأن أسافر مع الحسينى أحسن بالتأكيد من سفرى وحيدًا. لا بأس إذن من انتظاره.




6,05 – خلف السكة الحديد بالمنيب


لم يكن الزحام غريبًا علىّ إذ رأيته من قبل فى ترعة السواحل وناهيا وفيصل وشبرا وعزبة النخل ودار السلام. كل المناطق المزدحمة متشابهة كأنها مكان واحد. زحام وتلوث وضوضاء لصناعة مزيج رائع من بشر ليست لديه أى رغبة فى الحياة. صحيح أنى أعتدت كل هذا ولكن ليس معنى ذلك أن أجلس إلى مقهى عند الطريق الرئيسى. يبدو الجلوس حينئذ أشبه بانتحار. وصلت إلى مقهى فى أحد الشوارع الجانبية. مقهى عادية، جدرانها مبلطة بالقيشانى الأبيض وفواصله بالقيشانى الأسود. عرض الشارع لا يسمح بمقاعد خارجية. كان المكان واسعًا وشبه خال فقلت لنفسى:هنا كويس.
-شيشه يا غالى؟
-لا يا زعيم.. شاى تقيل زياده بالنعناع
تجولت ببصرى فوجدت لوحة كُتبت عليها تسعيرة المشروبات. ابتسمت عندما وجدت أن الشاى بثمانية قروش فقال القهوجى واضعًا الشاى على الطقطوقه:
-الحاج مش عايز يشيلها.. سايبها تذكار لأيام زمان لما كانت الناس كويسه.. أنا مشفتهاش، بس هو اللى بيقول
عندما أسمع أن أيام زمان أجمل والناس كانت ناس إلخ إلخ إلخ أتحسس مسدسى. أتذكر نجيب الريحانى فى فيلم غزل البنات فى الأربعينات عندما قال لليلى مراد إن الناس الحلوه كانت زمان.. لا بد أنه قصد أول القرن العشرين أو آخر التاسع عشر،ولابد أنه كان يسمع جده يقول نفس الكلام..أى ناس يقصدون؟


6,25 – فى المقهى أتذكر أيام زمان

بينما أنا غارق فى فطوطه وشريهان وبيبو حبيب قلبى ونواعم وشمعدان، توقفت أربعة تكاتك أمام المقهى. توقفت دون صخب لينزل من ثلاثة منها حوالى خمسة عشر شابًا بينما نزل من التوك توك الرابع توك توك منفصلاً عرفت فما بعد أن اسمه عم مجدى.



6,50 – أتفرج فى القهوه

-أيوه يا كمال.. معلش يا باشا.. قدامى ربع كده.. الطريق واقف
-يا بنى خدها جرى أنا كان زمانى فى العياط
-معلش يا ريس.. دقايق وابقى عندك ان شاء الله
كنت غير منتبه كثيرًا لتأخر الحسينى خمسين دقيقة عن موعده لأنى كنت أتابع القهوجى وصبى الشيش وهما فى حالة طوارىء؛ حيث لا بد لهم من الإسراع بتنزيل قص وحمّى وسلوم وشايات وحلبة وعناب.. كانوا قد احتلوا المكان تقريبًا لدرجة أنه لم يبق إلا مكانان أحتل أنا واحدًا والثانى لا يزال خاليًا. كانوا قد رفعوا الطقاطيق من بينهم ليفسحوا لمجلسهم مجالاً أكبر، ووضعوا المشروبات أسفل المقاعد، وصنع دخان الشيش إحساسًا مرعبًا بأن السرطان جالس فى المقعد المجاور.
كانت ملابسهم لا تختلف كثيرًا فهى لا تتجاوز بنطلونات جينز مرسوم على أفخاذها صور وتيشيرتات رخيصة. شعورهم كذلك غارقة فى الجيل وبعضهم حالق زيرو، وأعتقد أن أعمارهم كانت بين العشرين والثلاثين. افتتح التوك توك:
-هنقضيها صمت؟ خلاص يا حماده.. خُبُؤُه يرجعلك المصلحه وتبقى كده حطت نهايتها
انتصب شاب رفيع جدًا وقال:
-لا يا عم مجدى. هو أنا ....؟ ما أنا لو كنت عايز أرجع المصلحه ما كنت رجعتها.. أنا جاى هنا عشان خاطرك. هريسه لما قاللى إن عم مجدى جاى جيت
-أمال عايز إيه؟
-طالما دخلت فيها يا عمنا يبقى السلاح ييجى
انتصب شاب آخر مرسوم على تيشيرته جيفارا وقال مشوحًا بيديه:
-أسلحة إيه؟ مفيش أسلحه هتييجى
قال واحد آخر:
-بص يا معلم.. طالما دخلت عم مجدى يبقى ماتهسش وتسمع لآخر الحوار
نطق مجدى بهدوء:
-اعدل بقك يا هريسه لاعدلهولك.. مكنتش عايزنى أدخل؟
-لا يا ريس مش القصد.. بس طالما حضر كبير يبقى ميصحش احنا نتكلم ولا انا بتكلم غلط؟
استكنيص مجدى من رد هريسه فقال لخبؤه:
-متهسش يا خبؤه
هريسه قال:
-ينفع يا ريس بعد ما حماده تعب وخد العده من الزبون يترصده خبؤه على ناصية شارعه؟ ويثبته بسلاح كمان؟
تدخل آخر:
-على فكره بقى ياعم مجدى.. حماده اداله العده مش خوف بس عشان ميعملش حوار مع ناصر، بس ده حوار قديم مش هنلوكه دلوقت
تضايق مجدى:
-وله انت وهوه انزلوا من على ودانى.. حماده.. العده ترجع وتبقوا حبايب
-لا يا عم مجدى أنا كده متأذى
تدخل هريسه:
-احنا بنتكلم فى الأصول.. لما سلاح يترفع يبقى الحاجه تيجى والسلاح ييجى
-ياد انت صح.. بس بقولك عشان خاطرى انا.. ناصر لو عرف ان سلاح خبؤه اتاخد منه هتدخلونى أنا فى حوارات معاه.. لسه أنا وهوه متراضين من يومين
-يبقى طالما عامل دكر بقى يستحمل
صرخ خبؤه:
-شفت يا عم مجدى؟ أنا ساكت عشان خاطرك
أخرج مجدى من جيبه جهاز محمول نوكيا بكاميرتين، وأعطاه لحماده:
-العده أهه يا حماده وكبر أخوك الكبير

7.15 –لسه فى القهوة والعده فى إيد مجدى وحماده مش عايز يمد إيده

-السلاح ييجى
-مفيش أسلحه
-السلاح ييجى
-مفيش أسلحه
-السلاح ييجى
-مفيش أسلحه
-السلاح....



7,40 – لسه متثبت فى القهوه

-يا عم مجدى إنت جاى عليا وخبؤه فتح عليا السلاح
انتفض مجدى كمن لدغه عقرب ونظر لحماده:
-جرحك؟
-لا يا ريس هيا خابت؟ عليا الحرام من دينى كنت دبحت نفسى عليه
أمسك به مجدى يقلبه ذات اليمين وذات الشمال ليتأكد من خلوه من الجروح، ثم سأل خبؤه:
-ورينى دراعك
-خلاص بقى يا ريس هاديله العده وكده تبقى قُضيت
-ورينى يا ابن الـ.....
قلبه مجدى فوجد جرحًا فقال هريسه بسرعه:
-ده جرح قديم بتاع توفيق ف خناقة البت مروه
تكهرب الجو فجأة. قام خبؤه واضعًا سلاحه فى يده فقام هريسه وحماده بينما وقف مجدى وصوته أعلى مما تخيلت:
-اقعد يا ابن .... ويا بن .... و.... و.... و....
جلسوا فقال لخبؤه:
-السلاح ما اتظفرش ليه يا بن ....؟
وقع خبؤه بين المطرقة والسندان.. عرف أن لا مفر ففتح قرن الغزال وجرح بها ذراعه جرحًا معقولاً، ثم قفل القرن، ثم تناول العده/ المحمول من يد مجدى وتقدم خطوتين لحماده، وقال:
-خد يا زميلى حاجتك والسلاح.. وحقك علىّ
تسلم حماده العده والسلاح، ثم نظر لمجدى. وضع العده فى جيبه ثم قال بمنتهى التأثر:
-وميهونش عليا يا شقيق العيش والملح
ثم أخرج مطواته بسرعه وجرح بها ذراعه جرحًا معقولاً فاحتتضنه خبؤه.
أعاد حماده مطواة خبؤه له، وقال عاوجًا رقبته مع كل حرف ينطقه:
-خد سلاحك.. أنا برضك ميرضينيش تنزل منطقتك من غيره
ثم جلسوا أصدقاء حميميين، يتناجون فى كيف ثبت حماده شابًا كان يسير فى الشارع وأخذ منه محموله، وخبؤه يعتذر على قلة الأصل إلى أن رن محمولى. التفتوا إلىّ واكتشفوا أنهم رأونى لأول مرة. صرخ بى التوك توك:
-انت بتعمل ايه هنا؟
ابتسمت بدماثة وقلت:
-مستنى مصطفى الحسينى