Monday, December 24, 2007

الأمر لا يخص صاحبة الدبدوب ولا صاحبة الكورونا

الأمر لا يخص صاحبة الدبدوب ولا صاحبة الكورونا


(1)

كنت أراقب أعلام الدول الداخلة إلى الاستاد فى افتتاح حفل الأولمبياد بكوريا الجنوبية وأهتف وأنا نائم على بطنى باسم الدولة صاحبة العلم، وعندما أتى أبى ذكرت له أمى ذلك فابتسم. أبى كان سعيدًا بى جدًا وكان يرى لى مستقبلاً باهرًا –أو هكذا كان يقول أو ربما يتمنى-. لم أولد متوحشًا هكذا كما أنا الآن. لو كنت كذلك ما كنت لأهرب من المشاهد الدرامية فى السينما والتلفزيون. كنت رقيقًا وأبكى كلما استدعى الأمر ذلك، حريصًا على الأشياء التى أحملها حتى لا تقع، متحاشيًا للنظر إلى المحلات غالية الثمن حتى لا أكلف أبى فوق طاقته، لا أطيق أن تغضب منى رانيا على الرغم من أنها التى تغضبنى دائمًا..
وحين انتقلت لبيت جديد أخذت معى الأطلس حتى لا أنسى أعلام الدول وأسماءها وعواصمها وأماكنها وعندما تغيرت الخريطة لم أهتم بشراء أطلس جديد، أيضًا حملت معى عبد الحليم حافظ وكثيرًا من ذكريات الثمانينات، واشترى لنا أبى ميكانو فانصرفت عنه لأنى قد كبرت وبدأت أتابع أمانى وأغانى الذى كان يعرض عايدة الأيوبى ومصطفى قمر وإيهاب توفيق وهانى شاكر وغيرهم ، وتركز حلمى فى هذه الفترة على أن يكون لى دراجة بى إم إكس بجدون مسطرة ولونها أصفر



(2)

عندما يسألنى أحد أقول: نفسى أطلع أديب.
إذن فلأمارس تدريبات الأدب على طريقة فان دام فى لا تراجع ولا استسلام.. سأنام عكس الجميع، سأشرب شايًا وقهوة بكميات مفزعة، سأكون وحيدًا ورومانسيًا، سأطلق الخيال وأرده لينبئنى بما رأى، سأشترى كل كتب نبيل فاروق ومحمود سالم، سأحب كل يوم واحدة وأتركها أو أدعها تتركنى، سأتكلم كثيرًا عن حب الوطن، سأحب الوطن، سأحب جلسات الحريم عن جلسات الرجال -خاوية الحكايات-، سأكون وديعًا، سأحلم بسكرتيرة للمواعيد المضغوطة.
إذن هى الجامعة التى تفترسنى.. ثم بنت تخطئنى وبنت أخطئها. عامان أحب فتاة جميلة تحب رجلا مسافرًا. وعندما يعود تعود. آه نسيت.. سأكون حزينًا.


(3)

فى الأسبوع الماضى قابلت فتاتين. واحدة أهدتنى دبدوب والثانية كانت تأكل شيكولاتة كورونا. الثمانيون فقط يعرفون قيمة كورونا ويبحثون عنها ويندهشون عندما يجدونها وتترقرق أعينهم بالدموع.
صاحبة الدبدوب دون أن تدرى أعادتنى تسعة أعوام دفعة واحدة. منذ زمن لم يهادنى أحد بدبدوب. كان ذلك فى الجامعة -عندما كنت أحب بعشم كأن الدنيا ليست سيئة-. أما صاحبة الكورونا فقد أعادتنى إلى أكثر من عشرين عامًا. إلى طفل صغير شديد حول العينين يتمنى فوز أبيه فى الطاولة على أصدقاء المقهى ليفوز بالكورونا/ رهان اللعبة. أبى لا يأكل الكورونا فقط يلعب عليها ليعطينى إياها، وفى الليالى الشتوية المدرسية الكئيبة كنت لا أصاحبه ولكنى كنت أستيقظ لأجدها فى رف الثلاجة العلوى. وفى الأيام التى كنت لا أجدها كنت أعرف أن أبى خسر الليلة الماضية. لم أتهمه بالإهمال أو النسيان... أبى لا يهملنى ولا ينسى الكورونا. الكورونا الشئ المفرح الوحيد الثابت لطفل أحول يسخر منه أقرانه وتغضبه بنت لا يغضبها وتتركه أمه فى المنزل محذرة إياه من أنبوب الغاز ومن النزول إلى الشارع ومن فتح الباب للغرباء وليس له أصدقاء أو جيران.
الدبدوب والكورونا فى أسبوع واحد.


(4)

كالعادة تعتذر لى البنت عن دخولها إلى حياتى وأنها سببت لى الألم وأنها مضطرة لأن تتركنى وأنها تحبنى. أنا سعيد لأنك عرفتِ أمرى بهذه السرعة. هل عرفتِ الآن لماذا حمل وجهى تلك الملامح الغريبة عندما رأيت الدبدوب/ مفاجأتك الحلوة المفزعة لى؟ لقد تأكدت من فراقك حين وجدت ابتسامتك واسعة وأنتِ تحملين الدبدوب. عمرى الآن سبعة وعشرون عامًا. صدقينى... أنا لا أحتاج إلى دبدوب،، أنا أحتاج إلى شىء يناسب سنى أكثر.. أحتاج إلى كورونا.