

وفي أغسطس 2002 نظر في المرآة الأمامية ووجه إليّ الكلام أمام الجميع: - سلامو عليكو يا شيخ.- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.- أنا ناوي أطلع عُمرة.- ألف ألف مبروك..- يعني دى حاجة كويسة؟ أطلع يعني؟- آه طبعًا.. اتوكل على الله يا راجل.. حد طايل.- طب ما تشوفلي معاك 200 جندى أكمل على حق التذكرة.فيما بعد عرفت أنه "ثبت" زمايله وجَمَّع حق التذكرة فعلاً، ثم عاد بعد شهر أقرع فأطلقوا عليه "سالومه الأقرع". كانت أسنانه نصف صفراء ونصف فارغة ونصف مبتسمة، وقال للسيدة التي ركبت معنا من شارع العريش:- مش تباركيلي يا حاجة.- مبروك يا ابني.. خير إن شاء الله.- مش أنا عملت عُمرة وبطلت بانجو.ثم أخبرني بعد نزول السيدة أن ما ينغص عليه حياته هو كلب الأسفلت

يبلغ كلب الأسفلت 32 سنة، وقال لـ(كالابالا) اللي ماسك الكارتة إنه دفع 40 ألف جنيه عشان يقبلوه في معهد أمناء الشرطة. شخر كالابالا وأنَّبه:- لو كنت جتلي ساعتيها كنا قضيناهالك على تلاتينايه ويمكن 25 كمان.- أرزاق بقى.. ماحدش بياخد أكتر من نصيبه.. هتوكل أنا عشان عندي مأمورية مع جمال باشا.وترك كالابالا وتركني أتابعه حتى غاب عني، إلى أن حكى شاهين أن كلب الأسفلت "دفع 55 ألف جنيه عشان يدخل المعهد بس بيتكسف يقول عشان ماحدش يتريق عليه".. أبوه شيخ من شربين وقطع علاقته بابنه أشرف/ كلب الأسفلت بعد التعيين. بدأ تعيينه فى منطقة نائية وبمزيد من تفتيح المُخ نجح في الخدمة بالجيزة لفترة كانت كفيلة بإعادة الـ55 ألف فى عامين لا أكثر. اشترى أشرف بيه قطعة أرض في قرية اسمها المنوات بالجيزة كما اشترى شقة فى شارع العشرين بفيصل. يُعتبر كلب الأسفلت من مخضرمي سالومه الأقرع؛ أي أنه حضره وهو "سالومه" وأيضًا وهو "سالومه الأقرع".. كالابالا يوبخ سالومه الأقرع لأنه "مزعل" كلب الأسفلت و"مش بتراضيه زي زمان" صرخ بي سالومه -بعد أن اشترى شريط دعاء ليلة القدر للشيخ محمد جبريل من أمام مسجد الاستقامة-:- شفت؟؟ أهو جه الزمن اللي نعمل فيه اعتبار لزعل كلب الأسفلت.. والله الذي لا إله غيره.. لو كان كالابالا قالي الكلام ده من كام سنه لكنت تاويت الكلب ده. أنا بدفع كارتة مُجمعة آخر السنة وماحدش له حاجة عندي. ويبقى يوريني هيعمل إيه.كان سالومه قبل العمرة يدفع الكارتة المجمعة ويدفع لكلب الأسفلت 100 جنيه آخر كل شهر، ويحصل في مقابلها على عدد من الامتيازات، منها على سبيل المثال لا الحصر
- لسالومه الحق فى أن "يحمِّل" ميكروباصه في أي مكان بالميدان ولا يشترط أن يكون بالموقف
لسالومه الحق فى ألا يضع حزام الأمان
لسالومه الحق فى تقطيع المسافة.. فبدلاً من جيزة- مشعل. فيمكنه أن يصل بسيارته إلى الطالبية أو حسن محمد أو التعاون بنفس الأجرة، ومن التعاون يُعيد تحميلها ثانية إما إلى الجيزة أو إلى مشعل/حسب الغزالة
لسالومه الحق في الاتصال بكلب الأسفلت 24 ساعة كهوت لاين في حال مواجهته لكلاب أسفلت أخرى على السكة.. يُعطى المحمول للكلب ثم يمر
إذا دفع سالومه مائة وعشرين جنيهًا في الشهر فإن لسالومة امتيازًا إضافيًا، وهو:- سالومه غير مُدرج فى جدول العجل اللى بيتاخد مأموريات
أما إذا دفع مائة وأربعين فإن الدنيا زهزهت مع سالومه ويمكنه أن يسير بدون رخصة
وفي المقابل هناك بعض الحقوق الأدبية -غير الملزمة أحيانًا- لكلب الأسفلت، ومنها
كلب الأسفلت يركب من غير أجرة
حريم كلب الأسفلت يركبن من غير أجرة
أخوات وأقارب وجيران حريم كلب الأسفلت يركبون من غير أجرة
اللي "مظبطين" حريم كلب الأسفلت يركبوا من غير أجرة
لكلب الأسفلت وحريمه الحق –وقت اللزوم- في استعمال الميكروباص عربة ديليفري لتوصيل الخضار واللحم والخبز
بعد انتهاء الوردية يُمكن لكلب الأسفلت أن يأخذ سالومه مشوار عشان يجيبوا مصلحةأعاد سالومه الأقرع تلك الحسابات واتخذ قراره، وجدته أمامي يسألنى:- هيّ مش الرشوة حرام؟- آه.- أنا تبت يا عم، بس كلب الأسفلت مش هيرحمنى وبعتلي على المية جنيه مع كالابالا.- ولو ما دفعتش هيعمل إيه؟- هيعمل حاجات قلة أدب، وإحنا معانا حريم فى العربية. ده غير إنه هيوزع نمرة الميكروباص على كل الكلاب زمايله.. ومش هعرف حتى أجدد من كتر المخالفات.- طب ما تشتكيه.- قلبك أبيض يا شيخ
بعد ذلك التاريخ بثلاثة أشهر جمعتني الصدفة بشخص شديد الشبه بسالومه في جامع عمرو بن العاص. لكنه كان أنحف وأغمق وأعرج. صرخ بي:- مش دي شورتك؟- أنا جيت جمبك إنت مين يا عم؟- أنا سالومه.. مش قلتلي اشتكي. آديني جاي أشتكي.. مافيش أرحم من ربنا على عباده. قادر يخلصني من كلب الأسفلت.حكى لي شاهين بعدها أن روح سيادة القانون تلبست سالومه فانطلق إلى قسم العمرانية يتهم أشرف بالبلطجة، وانطلق إلى إدارة مرور الجيزة، وانطلق إلى مديرية أمن الجيزة، وانطلق إلى وزارة الداخلية.. طبعًا كل هؤلاء انطلقوا وراءه بعدها فهو المدمن السوابق -الملتحي حاليًا- وليس من المعقول أن يصدقوه ويكذبوا "أمين" شرطة لم تصدر ضده أي شكوى

طبعًا بعد هذا التاريخ توقفت عن الذهاب إلى جامع عمرو إلى أن وجدته في الموقف بالجيزة واقفًا على الرصيف يصرخ:- الله أكبر.. الله أكبرووجدته يوزع كسكسي وبليلة بالكنافة على السواقين، وعرفت أثناء هذا أن أشرف بيه نقلوه من الجيزة للصعيد.. رأيت ميكروباصه وقد عادت للخط وكتب عليها:الحمد لله المتين ومش هدفعلك يا سيادة الأمين
