ربـما عـرفت الآن أن الآخـرين مـهتمون لأمـرك
لعلها بدايات الخريف عندما تقابلنا.. لعله رصيف ومساحة لا تزيد عن ستة أمتار محاطة
بألواح خشبية تلك التى تقابلنا فيها..أناس مصابون بهوس الحُلم بالموهبة.. نتقابل وأحدنا
على الأقل يقابل الآخر هروبًا من تجربة قاسية.. اسمى محمد كمال. وأنا دعاء فتوح. هناك
ندوة أبدعت فيها بمقاطع من أحمد فؤاد نجم فأسألك باهتمام عما إذا كنت تكتبين أيضًا
فتبتسمين ابتسامتك المعهودة المصحوبة بإغماض العينين أنك ترتكبين الشعر على استحياء.
أسمعينى إذن. فتسمعينى قصيدة الجواكر.. أبتسم وأجيبك -حين تسألين عن رأيى- فى قلة ذوق تحاول أن تكون حيادية أنك متأثرة جدًا بأحمد فؤاد نجم..
نجلس قليلاً لدواعى الثرثرة التى يجيدها كلانا ثم ينصرف كل منا إلى حال سبيله

لعله عام ألفين وواحد حين سمعت الجواكر..لعله الآن ألفين وسبعة..غير أن سبعة أعوام
ليست هى الفارق. صحيح أننى صرت أكبر ورأيت من نفسى ما رأيت، صحيح أن البنت
التى كنت أحبها أيام الجامعة لا أتذكر ملامحها الآن بسهولة خصوصًا بعد أن تزوجت
وأنجبت، وأن أبى قد رحل فعلاً لا على سبيل التجربة، صحيح أننى تورطت فى الأدب
برواية وتجمع ودار نشر، وأن لى صديقين واحد تزوج مرتين والآخر متزوج ومنفى فى
بلاد جنوبية حارة، ولى صديق يسعى مجتهدًا ليتزوج، صحيح أن لى صديقًا له ابن الآن
يضحك كلما رآنى ويضحك حين أضع فى فمه الحلوى وأدغدغه... صحيح كل هذا غير
أننى لا ألحظه إلا عندما أكتبه الآن أمام عينى
كبرت ورأيت البنت التى أسمعتنى الجواكر تُصدر أول دواوينها. أتعجب ولا أتعجب من
كوننا لا نزال على معرفة. أتعجب ولا أتعجب حين أعرف أننا صرنا صديقين حقيقيين منذ
ثلاثة أعوام أو أربعة. أتعجب ولا أتعجب حين أعرف أنى أحبك حقًا حين تترقرق فى عينى
بوادر دموع لأننى أرى اسمك واسم ديوانك فى فهرس المجلس الأعلى للثقافة.مكالمات
التليفون التى تشاجرنا فيها من أجل قصيدة لم تضع عبثًا إذن والذين بذلوا كل غال ونفيس
من أجل تحطميك ساعدوك ويساعدونك حتى الآن بكل إخلاص من أجل أن تكونى كاتبة جيدة. لو علموا ما فعلته ألسنتهم بك لطلبوا إلى الله أن يكونوا طيبين. هل صحيح أن الشعر
تنضجه الآلام. أأسعد لأنك وحيدة وحزينة لأن هذا يعنى مزيدًا من الشعر. نجلس حولك -
نحن المتواطئين- نحتفل بلمعة عينيك واحمرار وجهك حين ترين أول نسخة من كتابك على
حين غرة. هؤلاء اجتهدوا منذ علموا قرب صدور الديوان ليخفوا عنك الأمر ليروا السعادة
صافية دون أن تلوثها مساحيق الشكر وكلمات الدبلوماسية.. حين تمر أول دقيقة نعرف أننا
ارتكبنا الشئ الصواب. نسجل بكاميرا الفيديو احتفالنا بك وبكتابك. حين احتفلنا –نحن
أصدقاءك- بك وبديوانك كنا ولازلنا سعداء بك فلا تفسدى سعادتنا بأن تبكى لأنك وحيدة
لأنك لست كذلك بالفعل. كيف يمكن أن تكونى وحيدة ومحمد فتوح ومصطفى الحسينى ومحمد مصطفى ومحمد كمال حسن وسيميا وآخرون يستعدون لإسعادك من فترة. كلنا
نحبك يا دعاء. حين تحلقنا حولك قلنا كلامًا كثيرًا... كثيرًا جدًا كأن الكلام هو ما يبقينا على قيد الحياة، وأهم ما علق بذهنى تعليق صديقك حين أشار إلى أنك الآن تشاركين فى تحمل
مسئولية شعر العامية وفتح الباب أمام آخرين. ترى هل ستذكرين هذا فيما بعد أم أن الشاعر
حين يكون له كتاب وقراء تتغير نفسه. هكذا قلت لنفسى.
حين عُدت إلى المقهى لم يكن معى إلا صديق يقول إن التورط فى الصداقة يعنى أن تكون
وحدك فى وجود شخص آخر. المهم أنه يتركنى وحدى فعلاً ليتكلم فى التليفون لفترة كانت كافية لأقرأ ديوانك كاملاً ولأتذكر دفعة واحدة أننا تقابلنا فى ألفين وواحد لأعدك أنك ستصدرين ديوانًا وكنت تستبعدين ذلك. هذا الدأب والإصرار وهذا التوحد مع الكتابة والحب
الجارف لها. هذا الاهتمام والبحث عن كل ما يدفعك للأمام كان باديًا على وجهك حين قلت
لك هذا. لو خسرتِ الشعر فماذا سيبقى لكِ. ديوانك مسنى لأنه حزين وصادق ولم تلوثه بعد
أيادى تصنع التجربة وكلام النقاد والشعراء. ديوانك ملئ بالإنسانية لا بحس الأنثى والكتابة النسوية التى تظل تكتب مراهقتها إلى أن تصل للشعر الأبيض. كثير من الشعراء يصدرون
ديوانهم الأول وكأنه الديوان الأخير، أما أنتِ فلا يبدو عليكِ أنك ستفعلين هذا. شئتِ أم أبيتِ
أنت الآن داخل الساحة.
فركة كعب بينك وبين الميدان
بينك وبين نفسك
بينك وبين الآخرين
فركة كعب بين ألفين وواحد وألفين وسبعة... هكذا اكتشفت فجأة وأنا أتصفح ديوانك
من ديوان فـركة كـعب
لـدعـاء فـتـوح
ضـــل ف صـــورة
متكوم
جنب رصيف الذكرى
وقلبك نازل عد
تواريخ
من يوم ما عنيك
اتولدت
ضحكة صبح
وقلبك نَبِّت
فوق الضحكة نهار
واتراكم عمرك
بين عجلات الدنيا
الدايرة أيام تتعد
من وسط الصورة
يمر شريط للحلم
اللى ماخطاش السكة
ولسه ف حضن
الغيب متلتم
ومكلفت روحه
جوه سجاير
ناس تايهين
فيضيع دخان
من قبل ما يوصل بر
فتلاقى ملامحه
ف ضهر رصيفك
طافية
وأعقاب مرمية
أتوبيس هيعدى وفيه أحبابك
ريش متنطور
ع الجنبين
مناديل
متحوش فيها دموعك
بإيدين بتهدهد
قلبك طفل سعيد
وإيدين اتعازمت
مين هيشيل
الكهل الماشى
ف آخر الليل
حفرة ف صندوق
متغطى ببفتة
وعنيك بتدور زى رادار
علشان تتقابل
ويا عنيه
اكمنه أنيسك ف الرحلة
وأنت المتخوف
منك
منه
عليك وعليه
متأكد
إن ملامحك فيه
وانت اللى عمرك
شوفت ملامحك
مرعوب
لتكون ف الآخر ضل ف صورة
أبيض ف أسود
ربما لا تعرفى يا دعــاء أن ديوانك لا يخصك وحدك غير أنه ديوانى أنا أيضًا. ليس
صاحب الديوان كاتبه ولكن صاحبه الحقيقى هو من آمن به
فــركـة كــعـب
2007
دعــاء فـتـوح
المجلس الأعلى للثقافة